بسياق كلام الشيخ ابن القيم، فإنه لما تكلم على الكبائر رحمه الله، وتقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، وأن الشرك أكبر الكبائر لمنافاته الحكمة المقصودة بإيجاد الخلق وتكلم على ذلك، فقال رحمه الله: ووقعت مسألة، وهي أن المشرك إنما قصد تعظيم جناب الربّ سبحانه وتعالى، وأنه لعظمته لا ينبغي لمثلي الدخول عليه إلا بالوسائط، والشّفعاء حكال الملوك، والمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الرّب، وإنما قصد تعظيمه، فلِمَ كان هذا القدر موجباً لسخطته وغضبه تبارك وتعالى، ومخلداً في النار، وموجباً لسفك دماء أصحابه، واستباحة حريمهم وأموالهم؟.

ويترتب على هذا سؤال آخر، وهو أنه هل يجوز أن يشرع الله سبحانه وتعالى لعباده التقرب إليه بالشفعاء والوسائل ليكون تحريم هذا إنما استفيد من الشرع أم ذلك قبيح في الفطر والعقول يمتنع أن تأتي به شريعة؟ بل جاءت الشريعة بتقرير ما في الفطر والعقول من قبحه الذي هو أقبح من كلّ قبيح. وأما الشرك في كونه لا يغفر من بين الذنوب.

فأجاب عن هذا كله بقوله: فنقول وبالله التوفيق والتأييد، ومنه نستمد العون والتسديد؛ فإنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له: ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.

الشرك شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله، وشرك في عبادته ومعاملته، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه وتعالى لا شريك له في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله.

والشرك الأوّل نوعان أحدهما: شرك التعطيل وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون، إذ قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: من الآية23] ، وقال: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً} [غافر: من الآية36ـ37] .

والشرك والتعطيل متلازمان، فكل مشرك معطل، وكل معطل مشرك، لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل، بل قد يكون المشرك مقراً بالحقّ سبحانه وتعالى وصفاته، ولكنه عطل حقّ التوحيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015