ثم ذكر الشيخ رحمه الله فصلاً طويلاً في تقرير هذا الشرك الأكبر. ولكن تأمل قوله: "وما أعزّ من تخلص من هذا، بل ما أعزّ من لا يعادي من أنكره" يتبين لك إن شاء الله بطلان الشبهة التي أدلى بها الملحد، إذ زعم أن كلام الشيخ في هذا الفصل ـ أعني الفصل الأول ـ في الشرك الأكبر، وذكر الآية التي في سورة سبأ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} [سبأ: من الآية22] ، وتكلم عليها ثم قال: "والقرآن مملوء من أمثالها، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته، ويظنون في قوم قد خلوا ولم يعقبوا وارثاً، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن، كما قال عمر: "إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية"، وهذا لأنه لم يعرف الشرك وما عابه القرآن وما ذمه وقع فيه وأقره، وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية، فتنقض بذلك عرى الإسلام، ويعود المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والبدعة سنة، والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرسول ومفارقة الأهواء والبدع ومن له بصيرة يرى ذلك عياناً، والله المستعان.

وهذا بعينه فعل عباد القبور، وهم المقصود بهذا الكلام، بل شركهم انتهى إلى توحيد الربوبية والأفعال، يعرف ذلك من عرف القوم وما هم عليه من الكفريات الشنيعة، إذ يزعمون أن لأوليائهم الرفع والخفض والقبض والبسط.

وقال ابن القيم في كلامه على هدم اللات في كتاب الهدي: "وكان يفعل عندها ما يفعل عند هذه المشاهد، من النذر لها والتبرك بها، والتمسح بها وتقبيلها، واستلامها، هذا كان شرك القوم بها، ولم يكونوا يعتقدون أنها خلقت السموات والأرض بل كان شركهم بها كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه".

فقف وتأمل هل يكون هذا في الشرك الأصغر؟!.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015