واقعان، ومنع أحدهما مكابرة، وكلام ابن القيم ليس فيه حصر، بل كلامه في هذه المسألة موافق لكلام شيخه.
والقسم الثاني الذي هو أغلط وأفحش نص عليه في مواضع متعددة، وقال صاحب الروض، من كتب الشافعية: إذا ذبح المسلم للنبيّ (كفر، نقله شيخنا رحمه الله، وذكره غير واحد من المفسرين في الكلام على قوله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} ونقل بعضهم عن فقهاء بخارى إنهم أفتوا بتحريم ما عقر بين يدي الملوك، تعظيماً لهم. لأنه مما أهل لغير الله به.
قال العلاّمة الشوكانيّ: قال بعض أهل العلم: إنّ إراقة دماه الأنعام عبادة لأنها إما هدي أو ضحية أو نسك، وكذلك ما يذبح للبيع، لأنه مكسب حلال فإنه عبادة. ويتحصل من ذلك شكل وضعي، هو إراقة دم الأنعام عبادة. وكل عبادة لا تكون إلا لله، فإراقة دم الأنعام لا تكون إلا لله، ودليل الكبرى قوله تعالى: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [لأعراف: من الآية59] ، {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: من الآية56] ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: من الآية5] ، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} ) [الاسراء: من الآية23] ، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: من الآية5] انتهى.
ويكفي المؤمن في هذا الباب قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 ـ 163] ، وقوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:1 ـ 2] ، وقوله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج:37] .
فإن الإحسان أعلى مراتب الإيمان دخول هذه العبادة فيه لأنّ السّياق لها ظاهر لا يخفى، وفي المسند عن طارق بن شهاب أن النبيّ (قال: "دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: مرّ رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب إليه شيئاً، فقالوا لأحدهما: قرِّب، قال: ما عندي شيء أقربه، قرِّب ولو ذباباً، فقرَّب ذباباً، فخلوا سبيله فدخل النار. فقالوا للآخر: قرِّب، قال: ما كنتُ لأقرِّب لأحد من دون الله عزّ وجلّ فضربوا عنقه فدخل الجنة".