ومن تأمل كلام الشيخ وسياقه عرف مقصوده، وأن الكلام فيمن كفر العصاة وأهل الكبائر، وذكر نزاع الناس في ذلك ثم قال: وأما السلف والأئمة فاتفقوا على أن الإيمان قول وعمل، فيدخل في القول: قول القلب واللسان، وفي العمل: عمل القلب والأركان.

قال: وقال المنتصرون لمذهبهم: إن للإيمان أصولا وفروعا، وهو مشتمل على أركان وواجبات ومستحبات، بمنزلة اسم الحج والصلاة؛ فإن اسم الحج يتناول كل ما يشرع فيه من فعل وترك، مثل الإحرام وترك محظوراته، والوقوف بعرفة ومزدلفة ومنى، والطواف والسعي. ثم الحج مع هذا مشتمل على أركان، متى تركت لم يصح الحج، كالوقوف بعرفة، وعلى ترك محظور متى فعله فسد حجه، وهو الوطء. ومشتمل على واجبات، من فعل وترك، يأثم بتركها عمدًا، ويجب لتركها لعذر أوغيره الجبران بدم، كالإحرام من المواقيت، والجمع بين الليل والنهار بعرفة، وكرمي الجمار ونحو ذلك. ومشتمل على مستحبات من فعل وترك يكمل الحج بها، ولا يأثم بتركها، ولا توجب دماً، مثل رفع الصوت بالإهلال والإكثار منه، وسوق الهدى، وذكر الله في تلك المواضع، وقلة الكلام إلا في أمر ونهي. فمن فعل ذلك الواجب، وترك المحظور، فقد تم حجه وعمرته، وهو مقتصد من أصحاب اليمين في هذا العمل.

لكن من أتى بالمستحب فهو أكمل وأتم حجًا وعملاً، وهو سابق مقرب، ومن ترك المأمور، وفعل المحظور، لكنه أتى بأركانه، وترك مفسداته فجه ناقص، يثاب على ما فعله من الحج، ويعاقب على ما تركه، وقد سقط عنه أصل الفرض. ـ إلى أن قال ـ: فمسألة تكفير أهل والأهواء والبدع متفرعة على هذا الأصل. ـ ثم ذكر مذاهب الأئمة في ذلك وذكر تكفير الإمام أحمد للجهمية، وذكر كلام السلف في تكفيرهم وإخراجهم من الثلاث والسبعين فرقة، وغلظ القول فيهم، وذكر الروايتين في تكفير من لم يكفرهم، وذكر أصول هذه الفرق، هم: الخوارج، والشيعة، والمرجئة، والقدرية ـ ثم أطال الكلام في عدم تكفير هذه الأصناف. واحتج بحديث أبي هريرة ـ ثم قال: وإذا كان كذلك فالمخطئ في بعض المسائل إما أن يلحق بالكفار من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015