وبين الله في إبلاغ شرعه ودينه، وبيان ما يحب ويرضى، وما يكرهه عنه وينهى فهو وسيلة لمن سار إلى الله على سبيله، وتمسك بهديه، وقبله قوله:
سل الله رب العالمين يميتني ... على السنة البيضاء غير مبدل
ليس صريحاً في أن السائل لله هو النبي صلى الله عليه وسلّم إذ يحتمل أنه أراد: سل أيها المذنب وأيها العبد، ولكنه التفت عن التكلم إلى الخطاب، وإحسان الظن بمثله أولى.
وأما قوله:
وأنت على كل الحوادث لي ولي
فالمراد أنه يوالي الرسول صلى الله عليه وسلّم ويتولاه على كل الحوادث، في اليسر والعسر، والرخاء والشدة، والضيق والسعة. لا يوالي غير أولياء الله. قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55 ـ56] ، فليس المراد بالولي المستغاث المعبود؛ فإن هذا فهم جاهلي شركي، وأهل الإسلام يفهمون من موالاة الرسول صلى الله عليه وسلّم محبته وتوقيره وتعزيره وطاعته والتسليم لأمره، والوقوف عند نهيه، وتقديم قوله على قول كل أحد، هذه هي موالاة أهل الإسلام، وما قال العراقي موالاة عبادة الأصنام.
إذا عرفت هذا عرفت جهل هذا العراقي بمعاني الخطاب، وموضوع الكلام وأنه أجنبي عن مدارك الأحكام، والعلم بشرائع الإسلام، وأن قول البوصيري أشنع وأبشع من قول الصرصري، لما تضمنه من الحصر، ولما فيه من اللياذ بغير الله في الخطب الجليل، والحادث العمم، وهو قيام الساعة، وقد قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنعام:40] ، فدعء غير الله في الأمور العامة الكلية أبشع من دعاء غيره في الأمور الجزئية، ولذلك أخبر أن عباد الأصنام لا يدعون غيره عند إتيان العذاب أو إتيان الساعة الهي الحادث العمم.
وأما قول العراقي: إن مقصوده الشفاعة والجاه، فهذا لا يفيده شيئاً؛ لأن