والأمور التى حرمها الله ورسوله، من الشرك، والسحر، والقتل، والزنا وشهادة الزور، وشرب الخمر وغير ذلك من المحرمات، قد يكون للنفس فيها حظ مما تعده منفعة، أو دفع مَضَرَّة، ولولا ذ لك ما أقدمت نفس على المحرمات التى لا خير فيها بحال، وإنما يوقع النفوس في المحرمات الجهل أو الحاجة. فأما العالم بقبح الشىء والنهى عنه فكيف يفعله؟ ! والذين يفعلون هذه الأمور جميعها قد يكون عندهم جهل بما فيها من الفساد، وقد تكون بهم حاجة إليها، مثل الشهوة إليها، وقد يكون فيها من الضرر أعظم مما فيها من اللذة ولا يعلمون ذلك لجلهلهم أو لغلبة أهواؤهم حتى يفعلوها، والهوى الغالب يجعل صاحبه كأنه لا يعلم من الحق شيئاً، فإن حبك للشىء يُعْمِى ويُصِمُّ.
ولهذا كان العالم من يخشى الله، قال أبو العالية: سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء: من الآية 17] . فقالوا: "كل من عصى الله فهو جاهل، وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب ". وليس هذا من مواضع البسط لبيان ما في المنهيات من المفاسد الغالبة، وما في المأمورات من المصالح الغالبة، بل على المؤمن أن يعلم أن ما أمر الله به فهو لمصلحة محضة أو غالبة، وما نهى الله عنه فهو مفسدة محضة أو غالبة، وأن الله لا يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته منه إليهم، ولا نهاهم عمّا نهاهم بُخْلاً به عليهم، بل أمرهم بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم؛ ولهذا وصف نبيه بأنه {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف: 157] .
وأما التمسح بالقبر أىّ قبر كان وتقبيله، وتمريغ الخد عليه، فمنهى عنه باتفاق المسلمين، ولو كان ذلك من قبور الأنبياء، ولم يفعله أحد من السّلف والأئمة، بل هذا من الشرك، قال الله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا} الآية [نوح: 23 ـ 24] ، وقد تقدم أنها أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح، وأنهم عَكَفوا على قبورهم مدة، ثم طال عليهم الأمد فصَوَّروا تماثيلهم؛ لا سيما إذا اقترن بذلك دعاء الميت والاستغاثة به. وقد تقدم ذكره، وما فيه من