{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7، 8] ، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من أصحابه: ألا يسألوا الناس شيئا. فكان أحدهم يسقط سوطه من يده فلا يقول لأحد: ناولنى إياه. وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: " يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفا بغير حساب، وهم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون ". والاسترقاء طلب الرقية، وهو من أنواع الدعاء، ومع هذا فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال: " ما من رجل يدعو له أخوه بظهر الغيب دعوة، إلا وكل الله بها ملكا كلما دعا لأخيه دعوة قال الملك: ولك بمثل ذلك ".
ومن أسرع الدعاء إجابة دعاء غائب لغائب؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، وطلب الوسيلة له، وأخبرنا بما لنا في ذلك من الأجر إذا دعونا بذلك، فقال في الحديث الصحيح: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا على، فإن من صلى عليَّ مرة صلى الله عليه عشراً، ثم سلو الله لى الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا ينبغى أن تكون إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد. فمن سأل الله لى الوسيلة حلت له شفاعتى يوم القيامة ".
ويشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه وممن هو دونه، فقد روى طلب الدعاء من الأعلى والأدنى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودّع عمر رضي الله عنه إلى العمرة، فقال له: " لا تنسنا من دعائك يا أخى "، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمرنا بالصلاة عليه وطلب الوسيلة، وأخبرنا أنا إن فعلنا ذلك حلَّت لنا شفاعته يوم القيامة، وكان طلبه منا لمنفعتنا في ذلك، وفرق بين من يطلب لغيره شيئا لمنفعة المطلوب منه، ومن سأل غيره لحاجته إليه فقط. وثبت عنه في الصحيح أنه ذكر أُوَيْساً القَرَنى وقال لعمر: " إن استطعت أن يستغفر لك فافعل ".
وفي الصحيحين: "أنه كان بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما شىء، فقال أبو بكر: استغفر لى"، لكن في الحديث: "أن أبا بكر حنق على عمر". وثبت أن أقواماً كانوا يسترقون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقيهم. وثبت في الصحيحين: "أن الناس لما أجدبوا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقى لهم فدعا الله سبحانه حتى سقوا ". وفي الصحيح أيضًا: "أن عمر بن الخطاب رضي الله