وأنه تعالى يخرق العادة لأسباب متعددة ومصالح متنوعة، وقد تقدم قوله: وأما اعتقاد تأثير الأدعية المحرمة، فعامته إنما تجد اعتقاده عند أهل الجهل الذين لا يميزون بين الدليل وغيره ولا يفهمون ما يشترط للدليل من الاطراد. وإنما تنفق في أهل الظلمات من الكفار والمنافقين أو ذوي الكبائر الذين أظلمت قلوبهم بالمعاصي، حتى لا يميزون بين الحق والباطل ـ فعمي العراقي عن هذا كله، وانتزع هذا الكلام المسوق لرده وبطلان الاستدلال به، وجعله دليلاً.

وقول العراقي: إن الشيخ أثبت لهم الإيمان، ولم بخرجهم بذلك عن الإسلام ولم يؤثمهم، فهذا جهل منه بمسمى الإيمان، فإن المراد ما معهم من الإيمان بالرسالة ونحوها. لا أن هذا ليس بشرك وأن الإيمان لم ينقض بذلك، ولم يؤثمهم، هذا الكلام يرده قوله: "وعليك أن تعلم أن إجابة النبي صلى الله عليه وسلّم ليس مما يدل على استحباب السؤال، فإنه هو القائل: "إن أحدهم يسألني المسألة فأعطيه إياها فيخرج يتأبطها ناراً" الحديث، وأما تكفيرهم بمثل هذا فلم يقل به أحد قبل قيام الحجة، وقد نقدم كلام الشيخ محمد في ذلك. وأما بعد قيام الحجة فيختلف الحكم ويجري موجبها ويعمل بمقتضاها. والعراقي جاهل مدلس، وقد عمي عن نحو مائة عبارة أو أكثر في هذا الكتاب بعينه، ترد مفهمومه من أن المجيب هو المدعو من دون الله.

وكذلك استدل له في نقله الثاني بما حكى أن بعض المجاورين بالمدينة أتى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلّم فاشتهى نوعاً من الأطعمة ـ إلى آخر الحكاية. فليس في هذا ما يستدل به على دعائه صلى الله عليه وسلّم أصلاً، وكونه أعطى ما يطلب لا يدل على دعائه غير الله والاستغاثة بسواه، فإن هذا جهل عظيم بأسباب الكائنات وموجباتها، كما مر عن الشيخ، وقد علم أن هذا ليس من أدلة الجواز والاستحباب وقد تقدم كلام الشيخ في أنه قد يستجاب لمن سأل المسيح وغيره حتى الأوثان، واطراد الدليل كفر متناقض. وإذا كان يطرد فالاستدلال به باطل لأن الدليل يلزم اطراده، وليس مع هؤلاء إلا التمسك بالمتشابه من غير فقه ونظر في المعنى المراد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015