وكل هذا لا يقتضي استحباب الصلاة أو قصد الدعاء والنسك عندها لما في قصد العبادات عندها من المفاسد التي علمها الشارع كما تقدم. فذكرت هذه الأمور لأنها مما يتوهم معارضته لما قدمنا وليس كذلك.
ثم أطال الكلام في مسألة تحري الدّعاء عند القبور ـ والغرض هنا بيان وجه سياقه وإيراده لما نقله العراقي.
فأما نقله الأول عن هذا الكتاب فإنه أسقط منه قول الشيخ: "فإن هذا ليس من هذا الباب" فترك هذه الجملة التي فيها إخراج هذا ونحوه عن باب الاحتجاج به، على فضل الدعاء واستجابته عند القبور، ولذلك قال: "مثل ذلك يقع كثيراً لمن هو دون النبي صلى الله عليه وسلّم يعني فلا يحتج به". وقد قدم الشيخ قبل هذا أن استجابة الدعاء قد تقع عند الأوثان وفي الكنائس. وتكلم في تعدد أسباب ذلك وأسباب الكائنات.
وقول الشيخ: "وكذلك سؤال بعضهم للنبي صلى الله عليه وسلّم حاجة أو غيره من الله، فتقضى ولكن عليك أن تعلم أن إجابة النبي صلى الله عليه وسلّم أو غيره من أمته لهؤلاء السائلين الملحين" إلى آخر العبارة، ليس فيه ما زعمه العراقي من استحباب دعائها والاستغاثة بأربابها، والسياق في منع دعاء الله عندها فكيف بدعائها. ولذلك قال الشيخ: "فإن ذلك ليس من هذا الباب" ولا قال أحد ممن يعتد به هذا القول الذي زعمه هذا المفتري إلا عباد القبور وأمثالهم من أهل الجهالة بدين الله، ولم يثبت الشيخ قضاء الحوائج من أهل القبور كما زعمه هذا الملحد؛ فإن إضافة الإجابة للنبي صلى الله عليه وسلّم أو غيره لا تقتضي الفاعلية، وأنه هو الذي أجاب دعاءهم وأعطاهم. والإضافة تقع ولو لأدنى ملابسة، كيف وقد قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} (النمل: من الآية62) وليس هذا من جنس الأسباب العادية بل هو من خوارق العادات، وقد مرّ أن الله هو الفاعل لذلك،