البدع والشرك وغيره؛ ولهذا كره الأئمة استلام القبر وتقبيله، وبنوه بناء منعوا الناس أن يصلوا إليه، فكانت حجرة عائشة رضي الله عنها التي دفنوه فيها ملاصقة لمسجده ومنفصلة عن المسجد. وكان ما بين منبره وبيته هو الروضة، ومضى الأمر على ذلك في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، وزيد في المسجد زيادات غيرت الحجرة عن حالها هي وغيرها من الحجر المطيفة بالمسجد من شرقيه وقبليه، حتى بناه الوليد بن عبد الملك. وكان عمر بن عبد العزيز عامله على المدينة فابتاع هذه الحجر وغيرها وهدمهن وأدخلهن في المسجد، فمن أهل العلم من كره ذلك كسعيد بن المسيب ومنهم من لم يكرهه، قال أبو بكر الأثرم: "قلت لأبي عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ قبر النبي صلى الله عليه وسلم يمس ويتمسح به؟ فقال: ما أعرف هذا. فقلت له: في المنبر؟ فقال: أما المنبر فنعم قد جاء فيه، قال أبو عبد الله: شيء يرويه عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن عمر أنه مسح على المنبر، ويرويه عن سعيد ابن المسيب في الرمانة. قلت: ويروى عن يحيى بن سعيد أنه حين أراد الخروج إلى العراق جاء إلى المنبر فمسحه ودعا فرأيته استحسنه، ثم قال لعلّه عند الضرورة والشيء. قيل لأبي عبد الله: إنهم يلصقون بطونهم بجدار القبر؟ وقلت له: رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسونه ويقومون ناحية فيسلمون، فقال أبو عبد الله: نعم، وهكذا كان ابن عمر يفعل. ثم قال أبو عبد الله: بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم" وقد رخص أحمد وغيره في التمسح بالمنبر والرمانة التي هي موضع مقعد النبي صلى الله عليه وسلم ويده ولم يرخص في التمسح بقبره. وقد حكى بعض أصحابنا رواية في مسح قبره؛ لأن أحمد شيع بعض الموتى فوضع يده على قبره يدعو له. والفرق بين الموضعين ظاهر. وكره مالك رحمه الله التمسح بالمنبر كما كرهوا التمسح بالقبر.
وأما اليوم فقد احترق المنبر وما بقيت الرمانة، وإنما بقي من المنبر خشبة صغيرة فقد زال ما رخص فيه؛ لأن الأثر المنقول عن ابن عمر وغيره إنما هو التمسح بمقعده. فروى الأثرم بإسناده عن القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار قال: "رأيت ابن عمر يقف على قبر