يرضى ذلك ويحبه فليطرد الدليل وذلك كفر متناقض، ثم إنك تجد كثيراً من هؤلاء الذين يستغيثون عند قبر أو غيره كل منهم قد اتخذ وثنا وأحسن الظن به وأساء الظن بآخر، وكل منهم يزعم أن وثنه يستجاب عنده ولا يستجاب عند غيره فمن المحال إصابتهم جميعاً وموافقة بعضهم دون بعض تحكم وترجيح بلا مرجح، والتدين بدينهم جميعاً جمع بين الأضداد. فإن أكثر هؤلاء إنما يكون تأثرهم فيما يزعمون بقدر إقبالهم على وثنهم وانصرافهم عن غيره، وموافقتهم جميعاً فيما يثبتونه دون ما ينفونه بضعف التأثير على زعمهم. فإن الواحد إذا أحسن الظن بالإجابة عند هذا وهذا لم يكن تأثيره مثل تأثير الحسن الظن بواحد دون آخر، وهذا كله من خصائص الأوثان، ثم قد استجيب لبلعام بن باعوراء في قوم موسى المؤمنين وسلبه الله الإيمان. والمشركون قد يستسقون فيسقون ويستنصرون فينصرون.

وأما الجواب المفصل فنقول: مدار هذه الشبهة على أصلين منقول، وهو ما يحكى من فعل هذا الدعاء عن بعض الأعيان. ومعقول وهو ما يعتقد من منفعته بالتجارب والأقيسة.

فأما النقل في ذلك فإما كذب أو غلط أوليس بحجة، بل قد ذكرنا من النقل عمن يقتدى به بخلاف ذلك.

وأما المعقول فنقول: عامة المذكور من المنافع كذب؛ فإن هؤلاء الذين يتحرون الدعاء عند القبور وأمثالهم إنما يستجاب لهم في النادر يدعو الرجل منهم ما شاء الله من دعوة فيستجاب له في واحدة ويدعو خلق كثير منهم فيستجاب للواحد بعد الواحد وأين هذا من الذين يتحرون الدعاء في أوقات الأسحار، ويدعون الله عز وجل في سجودهم وأدبار صلواتهم وفي بيوت الله؟ فإنّ هؤلاء إذا ابتهلوا من جنس ابتهال المقابريين لم يكد يسقط لهم دعوة إلا لمانع، بل الواقع أن الابتهال الذي يفعله المقابريون إذا فعله المخلصون لم يرد دعاء المخلصين إلا نادراً، ولم يستجب للمقابريين إلا نادرا والمخلصون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015