من بعده من الناس"، وذكر هذا عن أبي بكر الأثرم وغيره من أصحاب أحمد وسائر العلماء، ثم ردّ تعليل بعضهم النهي عن اتخاذ القبور مساجد بالنجاسة أو مظنتها، ورده بوجوه منها: أن قبور الأنبياء أطهر البقاع، وقد لعن من اتخذها مساجد، وتواتر الحديث بذلك، وبوجوه غير هذا ذكرها وقرّرها. وذكر أن سبب عبادة اللات تعظيم قبره، وكذلك ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر أسماء قوم صالحين بين آدم ونوح عليهما السلام، وصوروا تماثيلهم ثم عبدوهم. قال: وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع، وهي التي أوقعت كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك؛ فإنّ النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين وبتماثيل يزعمون أنها طلاسم للكواكب، ونحو ذلك. فإن يشرك بقبر الرجل الذي يعتقد نبوته أو صلاحه أعظم من أن يشرك بخشبة أو حجر على تمثاله؛ ولهذا تجد أقواماً كثيرين يضرعون عندها ويتخشعون ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في المسجد بل ولا في السحر. ومنهم من يسجد لها وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد التي تشد إليها الرحال، فهذه المفسدة التي هي مفسدة الشرك كبيره وصغيره هي التي حسم النبي صلى الله عليه وسلم مادتها حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقاً وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته، كما يقصد بصلاته بركة المساجد الثلاثة ونحو ذلك، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها لأنها الأوقات التي يقصد المشركون بركة الصلاة للشمس فيها فنهى المسلم عن الصلاة حينئذ وإن لم يقصد ذلك سداً للذّريعة. وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند قبور الأنبياء والصالحين متبركاً بالصّلاة في تلك البقعة فهذا عين المحادة لله ورسوله والمخالفة لدينه وابتداع دين لم يأذن به الله، فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الصلاة عند القبر أي قبر كان لا فضل فيها لذلك ولا للصلاة في تلك البقعة مزية خير أصلاً بل مزية شر. واعلم أن تلك البقعة وإن كانت تنزل عندها الملائكة والرحمة، ولها شرف وفضل لكن دين الله تعالى بين الغالي فيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015