الباب والباب قبله في مشابهة الكفار، وهذا نوع لا يمكن ضبطه، بخلاف الزماني، فإنه محصور. وهذا الضرب أقبح من الذي قبله، فإن هذا يشبه عبادة الأوثان أو هو ذريعة إليها أو نوع من عبادة الأوثان، كانوا يقصدون بقعة بعينها لتمثال هناك أو غير تمثال. يعتقدون أن ذلك يقربهم إلى الله، وكانت الطواغيت الكبار التي يشد إليها الرحال ثلاث: اللات، والعزّى، ومناة الثالثة الأخرى، كما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى، أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى، تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} (لنجم: 19 ـ22) كل واحدة من الثلاثة لمصر من أمصار العرب، والأمصار التي كانت من ناحية الحرم ومواقيت الحج ثلاثة: مكة والمدينة والطائف، فكانت اللات لأهل الطائف، وذكروا أنه كان في الأصل رجلاً صالحاً يلت السويق للحاجّ فلمّا مات عكفوا على قبره مدة ثم اتخذوا تمثاله، ثم بنوا عليه بنية سموها بيت الربة، وقصتها معروفة لما بعث النبي صلى الله عليه وسلّم لهدمها حين افتتحت الطائف بعد مكة سنة تسع من الهجرة. وأما العزّى فكانت لأهل مكة قريباً من عرفات هناك شجرة يذبحون عندها ويدعون، فبعث النبي صلى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد عقب فتح مكة فأزالها وقسم النبي صلى الله عليه وسلّم مالها وخرجت منها شيطانة ناشزة شعرها فيئست الجزيرة أن تعبد في الجزيرة بعد ذلك، وأما مناة فكانت لأهل المدينة، بهلون لها بالمشلل شركاً بالله، وكانت حذو قديد، الجبل الذي بين مكة والمدينة من ناحية الساحل. ومن أراد أن يعلم كيف كانت أحوال المشركين ويعرف حقيقة الشرك الذي ذمّه الله وأنواعه حتى يتبين له تأويل القرآن ويعرف ما كرهه الله ورسوله، فلينظر سيرة النبي صلى الله عليه وسلّم وأحوال العرب وما ذكره الأزرقي قي أخبار مكة وغيره من العلماء، ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم ويسمونها ذات أنواط قال بعض الناس: "يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال: الله أكبر قلتم كما قال موسى لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، ثم قال: إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم" فأنكر النبي صلى الله عليه وسلّم مجرد مشابهتهم الكفار في اتخاذ شجرة يستظلون بها معلقين عليها سلاحهم،