الحق، بل لو قال كما قال أبو يزيد: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق، وكما قال الشيخ أبو عبد الله القرشى: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون لكان قد أحسن، فإن مطلق هذا الكلام يفهم الاستغاثة المطلقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: " إذا سألت فاسأل اللّّه، وإذا استعنت فاستعن بالله ".
وإذا نفي الرسول عن نفسه أمرًا كان هو الصادق المصدوق في ذلك، كما هو الصادق المصدوق في كل ما يخبر به، من نفي، وإثبات، وعلىنا أن نصدقه في كل ما أخبر به من نفي وإثبات، ومن رد خبره تعظيما له، أشبه النصارى، الذي ن كذبوا المسيح في إخباره عن نفسه بالعبودية، تعظيما له، ويجوز لنا أن ننفي ما نفاه، وليس لأحد أن يقابل نفيه بنقيض ذلك البتة، والله أعلم.
فحذف العراقي هذا كله وكتمه، لما فيه من إلطال مذهبه، والدفع في صدره وحف من أثناء الكلام عبارة أخرى وهي قول الشيخ في حديث الأعمى: فعلم أن النّبي صلى الله عليه وسلّم شفع له، فسأل الله أن يشفعه فيه.
ومن بلغ تحريفه وخيانته إلى هذا الحدّ فهو من أوفر الناس نصيباً من قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} (لأنفال: من الآية58) وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (البقرة:159) وهذه المسائل التي قررها الشيخ منسوبة إلى أحكام الكتاب مأخوذة من نصوصه.
الوجه الثاني: إن قول الشيخ: وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلّم ففيه حديث في السنن لا يريد به التوسل في عرف العراقي، وعبّاد القبور. وهو دعاء المخلوق والاستغاثة به، وإنّما يريد به سؤال الله تعالى أن يشفع عبده فيه، بإجابة دعائه لهذا السائل وأرشده في هذا إلى التوسل إلى الله بالصلاة التي هي أفضل العبادات البدنية وأن يوحده بالدعاء والمسألة في أن قيبل شفاعة نبيه: أي دعاءه له، وهذا ليس الكلام فيه، وليس من توسل عباد القبور، وتقدم قول الشيخ: