نبينا فاسقنا فيسقون. وفي سنن أبى داود: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نستشفع بالله عليك، ونستشفع بك على الله، فقال: " شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع به على أحد من خلقه ".

فأقره على قوله: نستشفع بك على الله، وأنكر عليه قوله: نستشفع بالله عليك.

وقد اتفق المسلمون على أن نبينا شفيع يوم القيامة، وأن الخلق يطلبون منه الشفاعة، لكن عند أهل السنة أنه يشفع في أهل الكبائر، وأما عند الوعيدية فإنما يشفع في زيادة الثواب.

وقول القائل: إن من توسل إلى الله بنبي، فقال: أتوسل إليك برسولك، فقد استغاث برسوله حقيقة، في لغة العرب وجميع الأمم، قد كذب عليهم، فما يعرف هذا في لغة أحد من بنى آدم، بل الجميع يعلمون أن المستغاث مسؤول به مدعو، ويفرقون بين المسؤول والمسؤول به، سواء استغاث بالخالق أو بالمخلوق، فإنه يجوز أن يستغاث بالمخلوق فيما يقدر على التصرف فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم أفضل مخلوق يستغاث به في مثل ذلك.

ولو قال قائل لمن يستغيث به: أسألك بفلان، أو بحق فلان، لم يقل أحد: إنه استغاث بما توسل به، بل إنما استغاث بمن دعا، وسأله؛ ولهذا قال المصنفون في شرح أسماء الله الحسنى: إن المغيث بمعنى المجيب، لكن الإغاثة أخص بالأفعال، والإجابة أخص بالأقوال.

والتوسل إلى الله بغير نبينا صلى الله عليه وسلم ـ سواء سُمِّىَ استغاثة أو لم يُسَمَّ ـ لا يعلم أحدًا من السلف فعله، ولا روى فيه أثرًا، ولا نعلم فيه إلا ما أفتى به الشيخ من المنع.

كلّ هذا أسقطه العراقي، وضرب عنه صفحاً، لأنه شجى في حلقه وقذى في عينه وغصّة في صدره، وحذف أيضاً من آخر الجواب: قول الشيخ: " وأما من قال: إن من نفي التوسل الذي سماه استغاثة بغيره كفر، وتكفير من قال بقول الشيخ عز الدين وأمثاله، فأظهر من أن يحتاج إلى جواب، بل المُكَفِّر بمثل هذه الأمور، يستحق من غليظ العقوبة والتعزير ما يستحقه أمثاله، من المفترين على الدين، لا سيما مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من قال لأخيه: كافر فقد باء بها أحدهما ".

وأما من قال: ما لا يقدر عليه إلا الله لا يستغاث فيه إلا به، فقد قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015