بالعبادة والاستعانة وأن ذلك حق لا يشركه فيه نبي مرسل، ولا ملك مقرب. والعبادة هي الغاية المقصودة من العباد المكلفين, والاستعانة وسيلة إلى هذه الغاية المقصودة من العباد المكلفين. والمؤمنون بالرسل أخلصوا له العبادة وأفردوه بالاستعانة. فهو معبودهم ومستعانهم وجميع الأعمال داخلة في هاتين الكلمتين الشريفتين، وقد دلت صيغة الحصر والاختصاص فيهما على التوحيد. والعبد همام وحارث، لا بد له من ذلك، وهمه وحرثه غاية ووسيلة فيجب أن يكون غاية قصده ومراده وجه الله، والتماس طاعته ومرضاته، ويجب أن تكون الوسيلة إلى ذلك استعانته بخلاف من عبد غيره واستعان بسواه، أو من عبده لكن قصر وأضاع ما يحصل به مقصوده من الاستعانة، أو من استعان به ولكن على ما لا يحبه وما لم يشرعه من الأعمال الصالحة أو وسائلها. ويدخل في النوع الثاني: من تعلق على الأنبياء والصالحين عبادة واستغاثة واستعانة، كعبّاد القبور، وفي حديث ابن عباس: "ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله" الحديث.
وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: "إياك أن تستعين بغير الله فيكلك الله إليه"، وقال أبو عبد الله القرشيّ" استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق" وقال غيره: "استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون" والكلام هنا يطول.
وغرضنا التنبيه على أن القرآن كله دال على التوحيد. آمر به مشير إليه مستلزم له، مقرر لوصف أهله وما لهم من الكرامة في المعاد ومبين لأحوال من تركه، ولم يرفع به رأساً أو أشرك في عبادته. وما لهذا الصنف من الجزاء والعقاب والإهانة في الدار الآخرة.
وأما قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (الفاتحة: 6 ـ 7) فهذا فيه توحيد الطريق وأن من سلك سواه وأراد الوصول من غيره فالسبل والطرق عليه مسدودة قاطعة غير موصلة. وفي حديث ابن مسعود: "خطّ لنا