جاهل بصفات كماله ونعوت جلاله. قال تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} (الزمر:64) فسجّل على من أمر بدعاء الصالحين والاستغاثة بهم بالجهالة، سواء سمي ذلك توسلاً وتشفعاً واستظهاراً وكرامة أو لم يسمه.
وأمّا {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (الفاتحة:4) فهو وصف كمال ومجد، يقتضي وجوب معاملته وحده لا شريك له، وإسلام الوجه له، لأنّ الاختصاص والانفراد بالملك يوجب خوفه ورجاءه وطاعته. والتعلق على المملوك المقهور الذي لا شركة له ولا ملك بوجه من الوجوه، وقصده في طلب الإعطاء والمنع، والخفض والرفع والنجاة من النار، والفوز بدار الأبرار: سفه وضلال مبين. قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} (البقرة: من الآية130) وقد تمدح سبحانه باختصاصه بملك هذا اليوم في مواضع من كتابه مع أنه الملك المالك في الدنيا والآخرة لسر اقتضى ذلك، وحكمة أوجبته، وهي انقطاع كل العلائق والأسباب والمؤاخاة والوصل التي يتعامل بها أهل الدنيا في دنياهم. قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} (البقرة:123) ،
فاعرف ما في هذا الخطاب من العموم، ,ما دل عليه التنكير من الشمول المتناول لكل معبود مع الله، ولو نبياً أو ملكاً، وما يجري على يد الشفعاء ذلك اليوم لا يرد على الآية ولا ينفي العموم، لأنه لا يقع إلا بإذنه تعالى فيمن يرضى قوله وعمله. فعاد الأمر له جل ذكره بدءا وعوداً أولاً وآخراً.
و"الدين" هو الجزاء والمكافأة على الأعمال حسنها وقبيحها، وما لم ينزل به سلطان ولم ترد به حجة من الأعمال والديانات، يجازي فاعله، ويعاقب إن لم يمنع مانع كتوحيد الله والإيمان به وبرسله. وأي توحيد يبقى وينفع مع عبادة الأولياء والصالحين والاستغاثة بهم، وصرف الوجوه إليهم.
قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الحجر: 92 ـ93) ، قال جمعٌ من العلماء: عن شهادة أن لا إله إلا الله.
وأما قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة:5) ففيها اختصاصه وانفراده