علي أعلام أهل قرطبة، فأمرني بالدنو منه، وقال لي: مهلاً يا أبا نصر، لا تأسف على ما عرض لك، فذا شيء يضمحل عنك بسرعةٍ، بثياب غيرها تبدلها.
وقال أبو علي: قد عرض لي ما أبقى بجسمي ندوبًا تدخل معي في قبري!
ثمَّ قال: كنت أختلف إلى ابن مجاهد ـ رحمه الله ـ، فأدلجتُ إليه ـ أي ذهبت إليه من آخر الليل قبل الفجر ـ لأتقرب منه.
فلما انتهيت إلى الدرب الذي كنت أخرج منه إلى مجلسه ن ألفيته مغلقًا وعسُر عليَّ فتحه.
فقلت: سبحان الله! أبكر هذا البكور، وأغلب على القرب منه!!
فنظرت إلى سرب ـ حفير تحت الأرض ـ بجنب الدار فاقتحمته، فلمَّا توسطته ضاق بي، ولم أقدر على الخروج، ولا على النهوض، فاقتحمته أشد اقتحام، حتى نفذت بعد أن تخرقت ثيابي واثَّر السرب في لحمي حتى انكشف عظمي، ومنَّ الله عليَّ بالخروج، فوافيت مجلس الشيخ على هذه الحال، فاين أنت مما عرض لي؟!! وأنشدنا:
دببت للمجد والساعون قد بلغوا ... جهد النفوس وألقوا دونه الأزرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرهم ... وعانق المجد من أوفى ومن صبرا
لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا