" ومن المعلوم أنَّه لابد لنيل كل مرغوب محبوب من تنازل عن مرغوب محبوب دونه، والعلم مرغوب سامٍ، ومحبوب غالٍ، وشرف رفيع، ومطلب صعب المسالك، كثير العقبات، لا يمكن بلوغه إلا بتنازلات كثيرة، وتضحيات كبيرة، في المال، والوقت، والراحة، وأنس الأهل والأصحاب، وسائر المتع المشروعة، ولهذا قيل: العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ". (?)

فيا أيها المتفقه:

صبرًا على هجر اللذات، صبرًا على ترك المألوفات والعادات، صبرًا على مكابدة الصعوبات، فإنَّ من وراء ذلك بلوغ الغايات.

قال أسد بن الفرات ـ رحمه الله ـ: أجهدوا أنفسكم، وأتعبوا أبدانكم في طلب العلم وتدوينه، واصبروا على شدته، فإنكم تنالون به خيري الدنيا والآخرة.

كان بعضهم لا ينام الليل في مذاكرة العلم، وإذا نام فعلى فراش القلق من اشتغال الذهن.

قال محمد بن أبي حاتم ورَّاق الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ: كان أبو عبد الله ـ أي البخاري ـ إذا كنت معه في سفر، يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحيانًا، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القدَّاحة، فيوري نارًا ويسرج،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015