مِنْ فَطِنٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ قُلْت لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ جَعْلِ لَفْظِ أَشْهَدُ إنْشَاءً، وَالشَّهَادَةِ خَبَرًا، كَمَا قَالَ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ الْإِخْبَارُ عَنْ عَامٍّ لَا تُدَافَعُ فِيهِ الرِّوَايَةُ، وَخِلَافُهُ الشَّهَادَةُ وَأَشْهَدُ إنْشَاءٌ تَضَمَّنَ إخْبَارًا لَا مَحْضَ إخْبَارٍ أَوْ إنْشَاءٍ، وَعَلَى الْمُخْتَارِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِ أَشْهَدُ إنْشَاءً وَبَيْنَ كَوْنِ مَعْنَى الشَّهَادَةِ إخْبَارًا؛ لِأَنَّهُ صِيغَةٌ مُؤَدِّيَةٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِمُتَعَلِّقِهِ. قُلْت الشَّهَادَةُ مَصْدَرُ أَشْهَدُ فَيَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ أَحَدِهِمَا إنْشَاءً كَوْنُ الْآخَرِ كَذَلِكَ، وَمِنْ النَّظَرِ إلَى الْمُتَعَلِّقِ فِي أَحَدِهِمَا كَوْنُ الْآخَرِ كَذَلِكَ، فَلَا مَعْنَى لِلْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا صَنَعَ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْمُحَلَّى، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَشْهَدُ إنْ سُلِّمَ أَنَّهُ إنْشَاءٌ لَزِمَ كَوْنُهُ إنْشَاءً لِذَلِكَ الْخَبَرِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَرَافِيُّ، فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْمُتَعَلِّقِ فَخَبَرَانِ وَإِلَّا فَإِنْشَاءَانِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا، وَصَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ بَنَى مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّةَ عِنْدَهُمْ حَصْرُ الشَّهَادَةِ فِي لَفْظِ أَشْهَدُ، فَكَأَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ الْخَبَرِ، فَحَصْرُ الْقَرَافِيِّ الشَّهَادَةَ فِيهِ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، إذْ لَمْ يَشْتَرِطُوا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ صِيغَةً مَخْصُوصَةً، بَلْ قَالُوا الدَّارُ عَلَى حُصُولِ الْعِلْمِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْأَدَاءُ عُرْفًا إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ. فِي النَّوَادِرِ قَوْلُهُ هَذِهِ شَهَادَتِي أَدَاءٌ لَهَا، وَالْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَتَقَرَّرَ عِنْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ مَعَ تَوَفُّرِ الْعُلَمَاءِ فِي زَمَانِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي حَصْرِ الْقَرَافِيِّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ فِي لَفْظِ أُؤَدِّي الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لِعُرْفٍ تَقَرَّرَ بَعِيدٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَرَافِيُّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ. وَنَقَلَ شَمْسُ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ الدِّمَشْقِيُّ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ لَفْظُ أَشْهَدُ، بَلْ مَتَى قَالَ الشَّاهِدُ رَأَيْت كَذَا أَوْ سَمِعْت كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ كَانَتْ شَهَادَةً مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَلَا وَرَدَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَمَنْ تَصَفَّحَ نُصُوصَ الْمَالِكِيَّةِ عَلِمَ بُطْلَانَ حَصْرِ الْقَرَافِيِّ الشَّهَادَةَ فِي لَفْظِ أَشْهَدُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ التَّزْكِيَةِ (مِنْ) شَخْصٍ (فَطِنٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ