فتركنها صلدى العراصِ وطلقت ... أدبارها ورواجعاً أقبالها

فتظلُّ تعرفُ ما عرفتَ توهماً ... منها وتنكرُ واقفاً أبدالها

متبلداً بعدَ الأنيسِ ولا ترى ... إلاَّ الوحوشَ يمينها وشمالها

عيناً مخدمةَ الشوا وكأنها ... بلقُ السوابقِ كشفت أجلالها

وعواطفَ الأرآم تزجي خذلاً ... فيهِ سواكنُ بالربا أطفالها

من كلِّ واضحةِ السراةِ فريدةٍ ... في روضةٍ أنفٍ تمجُّ ظلالها

وجدايةٍ مثلِ السبيكةِ نومت ... في عازب مرحِ النباتِ غزالها

وسنانَ خرَّ من النعاسِ كأنما ... أسقي المدامةَ لا يردُّ فضالها

صهباءَ من زبدِ الكرومِ تبالغت ... في عقلهِ متصرفاً جريالها

يرعينَ كلَّ خميلةٍ وسرارةٍ ... رضعت بها خلفَ الربيعِ سخالها

وترى بها ربدَ النعامِ كأنها ... جوفُ الخيامِ هوى الثمامُ خلالها

من كلِّ أزعرَ نقنقٍ ونعامةٍ ... تقرو برعلتها الصغارِ رمالها

مثلِ الجهامةِ كلما خلفت لها ... أرجُ العشيةِ راجعت إجفالها

زعرٌ مخرجةُ الزفوفِ وربها ... في الرأيِ خفةَ حلمها وضلالها

والعونُ تنتجعُ الفلاةَ فأضمرت ... منها البطونَ وأعرضت أكفالها

قبٌّ محملجةٌ طوى أقرابها ... جريُ الفحول بها وهذبَ آلها

ينفي الجحاشَ ولا يقاربُ عوذها ... إلا الشماعُ ويستحثُّ حيالها

فإذا أرنَ بها شنونٌ قارحٌ ... تركت لشرتها الخفافُ ثقالها

وإذا أرادَ الوردَ هاجَ بلفهِ ... عنفَ الأجيرِ على القلاصِ دنا لها

يضربنَ صفحةَ وجههِ وجبينهُ ... في الروعِ قد وسقت لهُ أحمالها

إلا أوارنَ كلّ بكرٍ عايطٍ ... تهدي لمستنِّ الرياح نسالها

ألقت عقيقةَ شتوةٍ عن لونها ... قبلَ المصيفِ فخرقت سربالها

هذا ومهلكةٍ ترقصُ شمسها ... كالرجعِ في رهجِ الوديقةِ آلها

غبراءُ ديمومٌ يحارُ بها القطا ... عصباً يفرقُ بعدهُ أرسالها

جاوزتها بهبابِ ذاتِ برايةٍ ... ضمت عرى عقدِ النسوعِ محالها

سرح إذا رميت بها مجهولةٌ ... مرتُ المنازلِ فارقت أميالها

في كلِّ خاشعةِ الحزون مضلةٍ ... كالترسِ يعسفُ سهلها وجبالها

تهدي مواعجَ قد أضرَّ بها الوجى ... بعدَ المراحِ وأعملت أعمالها

يخبطنَ في الخرقِ البعيدِ إذا وهت ... أخفافهنَّ منَ السريحِ نعالها

فإذا بدت أعلامُ أرضٍ جاوزت ... أعلامها فرمت بها أهوالها

حتى رجعتُ بها وقد أكللتها ... لاقى إرانَ مطردٍ أكلالها

مثل الشجارِ حشاشةً منهوكةً ... قد كانَ ذلك قيدها وعقالها

إني امرؤٌ أقري الهمومَ صرامةً ... وأقوتُ شحمَ ذرى المطيِّ رحالها

ولربَّ حيلةِ حازمٍ ذي هوةٍ ... يسرتها ولحازمٌ ما احتالها

ومقالةٍ في موطنٍ ذي مأقطٍ ... طبقتُ مفصلها ومرتُ عيالها

ولربَّ حجةِ خصمِ سوءٍ ظالمٍ ... حنقٍ عليَّ منحتهُ إبطالها

فرجعتهُ قد عادَ بعدَ تخمطٍ ... يقلي المشاغبةَ التي أجرى لها

ولربَّ عرفِ قد بذلتُ وخطةٍ ... أسهلتُ حزنَ طريقها أسهالها

ومكارمٍ سمحٍ بذلتُ كرامةً ... يوماً لهُ وقفيةً ما سالها

ومعالجِ الشحناءِ قد ألجمتهُ ... نكلاً وأسرتهُ فكانَ نكالها

ولربَّ قافيةٍ تكادُ حذوتها ... تلقى بخيرٍ سائلاً من قالها

أرسلتها مثلَ الشهابِ غريبةً ... لا تستطيعُ رواتها إرسالها

ولئن سألتَ بي العشيرةَ مرةً ... أحبارها العلماءَ أو أقيالها

لتنبئنكَ أنني ذو مأقطٍ ... أني إذا اللحنُ الصليبُ دعا لها

وليثنينَّ عليَّ منهم صادقٌ ... خيراً ومحمدةً تعدُّ فعالها

ولتلقيني لا ذكرتُ نساءها ... ذكرَ اللئيمِ ولا شتمتُ رجالها

فلتجرِ بعدَ الحادثاتِ بما جرت ... ولتجرينَّ كحالها أولى لها

وقال عروة بن أذينة أيضاً:

بخلت رقاشِ بودها ونوالها ... سقياً وإن بخلت لبخلِ رقاشا

ظفرت بودكَ إذ سبتكَ كأنها ... وحشيةً لا تستطيعُ حواشا

والودُّ يمنحُ غير من يجزى بهِ ... كالماءِ ضمنَ ناشحاً حشاشا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015