ولقد غشيتِ لنا رسومَ منازلٍ ... بدلنَ بعدَ تأنسٍ إيحاشا
أحبب بأوديةِ العقيقِ لحبها ... والعرصتينِ وبالمشاشِ مشاشا
لما وقفتُ بهنَّ بعدَ تأنسٍ ... ذرفت دموعكَ في الرداءِ رشاشا
ولربَّ سالٍ قد تذكرَ مرةً ... شجواً فأجهشَ أو بكى إجهاشا
أمسى إذا ذكرت يحادثُ نفسهُ ... وإذا نأت لقي الهمومَ غشاشا
شوقاً تذكرهُ فحنَّ صبابةً ... لما أرادَ عن الصبا إفراشا
وعلا بهِ الرأيُ الجسيمُ وزادهُ ... حلماً فعيشَ بهِ كذاكَ وعاشا
تمت مروءتهُ وساورَ همهُ ... غلباً وأتبعَ رأيهُ إكماشا
يبني مكارمَ ذاهبينَ جحاجحٍ ... كانوا ثمالَ أراملٍ ورياشا
من سرِّ ليثٍ لا تطيشُ حلومهم ... جهلاً إذا جهلَ اللئيمُ وطاشا
أصبحتُ أذكرُ من فناءِ عشيرتي ... حزناً إذا بطنُ الجواشنِ جاشا
بذهابِ ساداتٍ وأهل مهابةٍ ... حشدٍ إذا ما الدهرُ هاجَ جياشا
كانوا عتيقَ الطيرِ قبلُ فأصبحوا ... في الناسِ تزدحمُ البلادُ خشاشا
ورثوا المكارمَ عن كرامٍ سادةٍ ... لم يورثوا صلفاً ولا إفحاشا
وغبرتُ بعدهمُ ولستُ بخالدٍ ... مثلُ الوقيعةِ تحذرُ النجاشا
في مثلِ فضلاتِ السيوفِ بقيةً ... لم يخلقوا زمعاً ولا أوباشا
ولقد عرفتُ وإن حزنتُ عليهمِ ... أن سوفَ أخفضُ للحوادثِ جاشا
وملكتُ من أبدالِ سوءٍ بعدهم ... مثلَ الكلابِ تعادياً وهراشا
نعمَ الفوارسُ والثمالُ لأركبٍ ... بعد الطوى نزلوا بهم أوحاشا
لا بدَّ أنهمُ إذا ما أهكعوا ... سيعجلونَ قراهمُ نشناشا
ولقد عجبتُ لحاينٍ متعرضٍ ... أبدت عداوتهُ لنا استغشاشا
عبدٌ أساءَ بسبهِ أربابهُ ... منهم أصابَ مطاعماً ورياشا
تنعى الكرامَ ولستَ بالغَ مجدهم ... حتى تحولَ بركهِ أكماشا
ولوَ أنهُ يوماً تكلفَ شأوهم ... أبقى بهِ تعبُ السياقِ جراشا
أو كانَ أصعدَ في جبالِ قديمهم ... لاقى لها رتباً وكابدَ ناشا
نعشوا مفاقرهُ فأصبح كافراً ... حسنَ البلاءِ ولم يكن نعاشا
وكذاكَ كانَ أبوهُ يفعلُ قبلهُ ... وكلاهما في الدهرِ كانَ قماشا
يحيى السنينَ بهم ويكفرُ كلما ... وقعَ الربيعُ فمحضراً أكراشا
إني لأصبرُ في الحقوقِ إذا اعتزت ... وأميشُ قبلَ سؤالهِ الممياشا
وإذا الهمومُ تضيفتني لم أكن ... جلساً لطارقةِ الهمومِ فراشا
وقريتهنَّ زماعَ أمرٍ صارمٍ ... والعيسُ يحرمها السرى الإنفاشا
من بعدِ إذ كانت سنوه مرةً ... نعماً تساقطُ بالحمى الأعشاشا
فرجعتها بعدَ المراحِ خسيسةً ... قد زال تامكُ نيها منحاشا
ولربَّ كبشِ كتيبةٍ ملمومةٍ ... قدنا إليهِ كتائباً وكباشا
دسراً إذا حميَ الهياجُ بحدهِ ... وجعلتَ تسمعُ للرماحِ قراشا
فتسارعت فيهِ السيوفُ بوقعها ... نكباً وترعشُّ تحتها إرعاشا
وكذاكَ تصطادُ الكميَّ رماحنا ... ونجرها المتناول المنتاشا
ونعضُّ هامَ المعلمينَ سيوفنا ... بيضَ الظباتِ إلى الدماءِ عطاشا
وإذا المشاغبُ شاكَ منها شوكةً ... طالَ الضمارُ وأعيتِ النقاشا
وقال عروة أيضاً:
يا حبذا الدارُّ بالروحاءِ من دارِ ... وعهدُ أعصارها من بعدِ أعصارِ
هاجت عليَّ مغانيها وقد درست ... ما يردعُ القلبُ من شوقٍ وإذكارِ
يا صاحبيَّ اربعا إنَّ انصرافكما ... قبلَ الوقوفِ أراهُ غيرَ إعذارِ
فعرجا ساعةً نبكي الرسومَ بها ... واستخبرا الدارَ إن جادت بأخبارِ
وكيفَ تخبرنا دارٌ معطلةٌ ... قفرٌ وهابي رمادٍ بين أحجارِ
وعرصةٌ من عراصِ الأرضِ موحشةٌ ... ما إن بها من أنيسٍ غيرُ آثارِ
تغدو الرياحَ وتسري في مغابنها ... بمجلبٍ من غريبِ التربِ موارِ
فلا تزالُ من الأنواءِ صادقةٌ ... بحريةُ الخالِ تعفوها بأمطارِ
مقيمةً لم ترم عهدَ الجميع بها ... كأنما جعلت بواً لأظآرِ
إن تمسِ سعدى وقد حالت مودتها ... وأقصرت لانصرافٍ أيَّ إقصارِ