نبغي قريشاً ويأبى اللهُ ربهمُ ... إلاَّ اصطناعهم نصراً وإحسانا

وما قريشٌ إذا عضت حروبهمُ ... يوماً بأكلةِ جافي الدينِ غرثانا

وما أرادهمُ باغٍ يغشهمُ ... يبغي الزيادةِ إلاَّ أزدادَ نقصانا

قومٌ إذا الحمدُ لم يوجد لهُ ثمنٌ ... ألفيتَ عندهم للحمدِ أثمانا

قماقمُ العزِّ لا يغرى خطيبهمُ ... ولا يقومُ إذا ما قامَ خزيانا

قد جربتهم حروبُ الناسِ واقتبست ... منهم ثواقبُ نارِ الحربِ نيرانا

فلم يلينوا لهم في كلّ معجمةٍ ... ولم يروا منهمُ في الحربِ إدهانا

إذا الشياطينُ رامتهم بأجمعهم ... لم يبقِ منهم جنودُ اللهِ شيطانا

هم العرانينُ والأثرونَ قبصَ حصىً ... وجوهرِ السرِّ والعيدانِ عيدانا

والأكرمونَ نصاباً في أرومتهم ... والأثقلونَ على الأعداءِ أركانا

وقال عروة بن أذينة أيضاً:

صرمت سعيدةُ ودها وخلالها ... منا وأعجبها البعادُ فما لها

سمعت من الواشي البعيدِ بصرمنا ... قولاً فأفسدها وغيرَ حالها

وإذا المودةُ لم تكن مصدوقةً ... كرهَ اللبيبُ بعقلهِ استقبالها

ولقد بلوتُ وما ترى من لذةٍ ... في العيشِ بعدكَ قربها ووصالها

عصرَ الشبابِ وما تجدُّ مودةً ... للغانياتِ ولا هوىً إلاَّ لها

حتى رأينا للصريمةِ آيةً ... مثلَ النهارِ وعددت أشغالها

وتجرمت عللَ الذنوبِ فأصبحت ... قد زايلتكَ وزودتكَ خبالها

وطوت حبالاً من حبالكَ بعدما ... وصلت بهِ أخرى الزمانِ حبالها

حوراءُ واضحةٌ تزالُ صبابةً ... ما عشتَ تذكرُ حسنها وجمالها

وحديثها الحسنُ الجميلُ وعقلها ... ذاكَ الأصيلُ إذا أردتَ محالها

ومقالها في الكاشحينَ فأوشكت ... ما نسيت في الكاشحينَ مقالها

وغدايرٌ سودٌ لها ومقلدٌ ... بيضٌ ترايبهُ ينيفُ شكالها

وأغرَّ مثلَ البدرِ زانَ أسالةً ... منهُ محاسنُ لا تعدُّ خصالها

ومفلجٍ خصرِ الغروب ومضمرٍ ... خلى لأثناءِ الوشاحِ مجالها

وعجيزةٌ نفخٌ وساقٌ خدلةٌ ... بيضاءُ تفصمُ كظةً خلخالها

عشنا بها زمناً كظلِّ سحابةٍ ... مرت ولم ينفعكَ شيمكَ خالها

وبلا ولا ولقد وحتى مرةً ... تقريبها وبعادها ومطالها

تدنو فتطمعُ ثمَّ تصرفُ قولها ... يأساً فيقطعُ صرمها إجلالها

تلقى بها عندَ الدنوِّ زمانةً ... وتريكَ ما شحطَ المزارُ خيالها

طيفٌ إذا لم يدنُ منكَ رأيتهُ ... في زيها متميلاً تمثالها

ويزيدها أيضاً عليَّ كرامةً ... أني وربكَ لا أرى أمثالها

إن تمسِ ساليةً وليسَ بذكرها ... كلفاً أخافُ بهجريَ استقالتها

فلقد بكتها العينُ حيناً كلما ... ذكرت سعيدةَ راجعت تهمالها

معنيةً تذري الدموعَ صبابةً ... بعدَ العزاءِ ترى البكا أشفى لها

واليأسُ أحسنُ من رجاءٍ كاذبٍ ... إذ لم يكن وصلُ الصديقِ بدا لها

ويلُ أمها لولا التنقض خلةً ... لو كانَ أقطعها البعادُ وهالها

كانت على رأيٍ فأصبحَ كاشحٌ ... عن رأيها في الكاشحينَ أزالها

منهم لها دونَ الصديقِ بطانةٌ ... نرجوهمُ ليعلوهم ما عالها

أنى وكيفَ لها بذلك بعدما ... غالَ المودةَ عندها ما غالها

وأتت رضى أعدائها بصديقها ... عمداً لتقطعَ ودها ودلالها

بل هل عرفتَ لها الديارَ بناعقٍ ... معفوةً لبسَ البلى أطلالها

وتناءجت فيها البوارحُ كلما ... راحت تحنُّ تعسفت أذيالها

تعفو الصبا ذيلَ الدبورِ وتارةً ... يدعو لها نفسُ الجنوبِ شمالها

يسهكنَ أمثالَ الروائمِ ولهاً ... فقدت فرجعتِ الحنينَ فصالها

في كلِّ منزلةٍ لعبنَ بدمنها ... وخلصنَ إذ خفَّ الدقاقُ جلالها

ونخلنها نخلَ الطحينِ مقيمةً ... كلُّ الرياحِ تعيرها غربالها

ثمَّ استعنَّ على الديارِ مخيلةٌ ... حلت على عرصاتها أثقالها

دهماءُ واهيةُ الكلى بحريةٌ ... نحرت بها المستمطراتُ هلالها

فإذا يمرُّ حبيٌّ زاخرٌ ... بالدارِ جادَ بوبلهِ فأسالها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015