باليسرِ والعسرِ والأحداثُ معرضةٌ ... لا بدَّ من شدةٍ فيها ومن لينِ
حتى تكلَّ وتلقى في تطردها ... أطباقَ ملهىً بها حيرانَ مفتونِ
ولو تخفضَ لم ينقض تخفضهُ ... مكتوبَ رزقٍ له ما عاشَ مضمونِ
فما امرؤٌ لم يضع ديناً ولا حسباً ... بفضلِ مالٍ وقى عرضاً بمغبونِ
كم من فقيرٍ غنيّ النفسِ تعرفهُ ... ومن غنيٍّ فقيرِ النفسِ مسكينِ
ومن مواخٍ طوى كشحاً فقلتُ لهُ ... إنَّ انطواءك هذا عنكَ يطويني
لا تحسبنَّ مواخاتي مقصرةً ... ولا رضاكَ وقد أذنبتَ يرضيني
لا خيرَ عندكَ في غيبٍ وفي حضرٍ ... إلاَّ أهاويلُ من خلطٍ وتلوينِ
بأيِّ رأيكَ في أمرٍ عنيتُ بهِ ... وفضلِ مالكَ يوماً كنتَ تكفيني
فليتَ شعري وما أدري فتخبرني ... بأيّ قرضي منَ الأيامِ تجزيني
أبالذي كانَ مني مرةً حسناً ... أم بالقبيحِ وما أقبحتُ ترميني
فما حفظتَ وما أحسنتَ رعيتهُ ... سراً أمنتَ عليهِ غيرَ مأمونِ
عجزاً عن الخيرِ تلويهِ وتمطلهُ ... بخلاً عليَّ بهِ والشرَّ تقضيني
ما كنتَ ممن تجاريني بديهتهُ ... ولا منَ الأمدِ الأقصى يغاليني
منتكَ نفسك أمراً لا تولفهُ ... حتى تولفَ بينَ الضبِّ والنونِ
النونُ يهلكُ في بيداءَ مقفرةٍ ... والضبُّ يهلكُ بينَ الماءِ والطينِ
لا تغضبنَّ فإني غيرُ معتبهِ ... من كنتُ أوليتهُ ما كانَ يوليني
وقال عروة بن أذينة:
أما قتلتَ ديارَ الحيِّ عرفانا ... يومَ الكفايةِ بعدَ الحيِّ إذ بانا
إلاَّ توهمَ آياتٍ بمنزلةٍ ... هاجت عليكَ لباناتٍ وأحزانا
قف ساعةً ثمَّ أما كنتَ مدكراً ... وباكياً عبرةً يوماً فمل آنا
ولو بكيتُ الصبا يوماً وميعتهُ ... إذن بكيتُ على ما فاتَ أزمانا
من شرةٍ من شبابٍ لستُ راجعهُ ... حتى يزورَ ثبيراً صخرُ لبنانا
لم يعطَ قلبكَ عن سعدى ولو بخلت ... صبراً ولم تسقِ عنها النفسَ سلوانا
فاقصد برأيكَ عنها قصدَ مجتنبِ ... ما لا تطيقُ فقد دانتكَ أديانا
عهدي بها صلتةَ الخدين واضحةً ... حوراءَ مثلَ مهاةِ الرملِ مبدانا
مقنعةً في اعتدالِ الخلقِ خرعبةً ... تكسو الترائبَ ياقوتاً ومرجانا
يصفو لنا العيشُ والدنيا إذا رضيت ... وقد تكدرُ ما لم ترضَ دنيانا
لولا الحياءُ طلبنا يوم ذي بقرٍ ... ممن تغورَ قصدَ البيتِ أظعانا
بيضُ السوالفِ يورثنَ القلوبَ جوى ... لا يستطيعُ لهُ الإنسانُ كتمانا
قالَ العواذلُ قد حاربتَ في فننٍ ... منَ الصبا وشباب الغصنِ ريعانا
ومن يطعهنَّ يقرع سنهُ ندماً ... ولا يكنَّ لهُ في الخيرِ أعوانا
لا يرضَ من سخطةٍ والحقُّ مغضبةٌ ... من كانَ من فضلنا المعلومِ غضبانا
تلقى ذرى خندفٍ دوني وتغضبُ لي ... إذا غضبتُ بنو قيس بن عيلانا
حياً حلالاً نفى الأعداءَ عزهمُ ... حتى أطرنا بهم مثنى ووحدانا
أوفى معدٍّ وأولاهم بمكرمةٍ ... وأعظمُ الناسِ أحلاماً وسلطانا
من شاءَ عدَّ ملوكاً لا كفاء لهم ... منا ومن شاءَ منا عدَّ فرسانا
إذا الملوكُ اجرهدت غيرَ نازعةٍ ... كانوا لها في احتدامِ الموتِ أقرانا
حتى تلينَ وما لانوا وقد لقيت ... أعداؤنا حرباً منهم وليانا
فهم كذلك من كادوا فإنَّ لهُ ... إن لم يمت منهمُ ذلاً وإثخاناً
لا ينكرُ الناسُ إنا من ورائهم ... في الحربِ نرعاهمُ واللهُ يرعانا
أحياؤنا خيرُ أحياءٍ وأكرمهم ... وخيرُ موتى من الأمواتِ موتانا
منا الرسولُ نخيرُ الناسَ كلهمُ ... ولا نحاشي من الأقوامِ إنسانا
وذاكَ نورٌ هدى اللهُ العبادَ بهِ ... من بعدِ خبطهم صماً وعميانا
فأبصروا فاستبانَ الرشدُ مشعرةً ... بعدَ الضلالِ قلوبَ الناسِ إيمانا
فينا الخلافةُ والشورى وقادتها ... فمن له عندَ أمرٍ مثلَ شورانا
أو مثلُ أولنا أو مثلُ آخرنا ... أو مثلُ أنسابنا أو مثلُ مقرانا
وكلُّ حيٍّ لهُ قلبٌ يعيشُ بهِ ... في الناسِ أصبحَ يرجونا ويخشانا