يا ديارَ الحيِّ بالأجمة ... لم تكلم سائلاً كلمةْ
أينَ من كنا نسرُّ بهِ ... فيكِ والأهواءُ ملتئمةْ
إذ حرى شعبُ المشاشِ لنا ... ومصيفٌ تلعةُ الرخمةْ
ومنَ البطحاءِ قد نزلوا ... دارَ زيدٍ فوقها العجمةْ
ثمُّ حلوا حلةً لهمُ ... بطنَ وادٍ قنةَ السلمةْ
وانتحوا بالفرشِ تتبعهم ... منةٌ من نفسكَ السقمةْ
إنَّ للدينا وزهرتها ... نعمةً لا بدَّ منصرمةْ
وكفى حزناً لنا ولهم ... بعدَ وصلٍ عاقهُ الشأمةْ
إنَّ تبدلنا بهم بدلاً ... ليسَ من ابدالهم بلمةْ
فكأني يومَ بينهمِ ... جسدٌ ليست لهُ نسمةْ
لا بديعٌ صرمُ غانيهٍ ... أصبحت بالصرمِ معتزمةْ
إننا قومٌ ذوو حسبٍ ... عامرٌ منا وذوا الخدمةْ
والرئيسُ العدلُ إذ عرست ... حربُ أعداءٍ لنا ضرمةْ
فهجمنا الموتَ فوقهمُ ... بالطواغي ظاهرَ الأكمةْ
وقريناهمُ أسنتنا ... وسيوفاً تقتلُ الحرمةْ
حلفوا لا يأتلون لنا ... وتركنا الخطةَ الهشمةْ
وأبى رأيَ الضعيفِ لنا ... مرةٌ جأواءُ معتزمةْ
فرجعنا بالقنا قصداً ... وسيوفِ الهندِ منثلمةْ
وعتاقُ الطيرِ عاكفةٌ ... وضباعُ الجزعِ متخمةْ
ورمينا الناسَ عن عرضٍ ... وقدورُ الحربِ محتدمةْ
بمصاليتِ الوغا ثبتٍ ... وعناجيجٍ لها نحمةْ
مصغياتٍ في أعنتها ... تحملُ الأبطالَ مستلمةْ
وعلى شعبٍ هبطنَ بنا ... أهلُ شعبٍ خطةً أضمةْ
غارةٌ أردت نساءهمُ ... في طحونِ الوردِ ملتهمةْ
ربما منهم منعمةٌ ... سافرٌ ليست بملتثمةْ
غودرت تنعى الملوكَ كما ... غودرت في المعطنِ الحلمةْ
لم تعظمهم أسنتنا ... إذ لهم من فوقهم عظمةْ
وكأنَّ الملكَ بينهمُ ... إذ لقونا طاحَ عن نشمةْ
نكشفُ الغما إذا نزلت ... كشفَ بدرٍ ليلةَ الظلمةْ
بأسودِ الغيلِ مخدرةً ... تمنعُ الأشبالَ مستلمةْ
ونقي الأحسابَ وافرةً ... بوجوهِ المالِ محتزمةْ
شيخنا القاضي قضيتهُ ... في حطيمِ الكعبةِ الحرمةْ
في زمانِ الناسِ إذ حلفوا ... كقرومِ القرةِ القطمةْ
حكموهُ في دمائهمِ ... فاستبانَ الحجةَ الفهمةْ
وقضاءٌ لا يقالُ لهُ ... فيمَ تقضي بيننا ولمةْ
وقال عروة بن أذينة أيضاً:
أفي رسومِ محلٍّ غير مسكونِ ... من ذي الأجارع كادَ الشوقُ يبكيني
قفرٍ عفا غيرَ أوتادٍ منبذةٍ ... ومنحنٍ خطَّ دونَ السيلِ مدفونِ
وهامدٍ كسحيقِ الكحلِ ملتبدٍ ... أكنافَ ملمومةٍ أثباجها جونِ
عوارفٌ ذللٌ أمست معطلةً ... في منزلٍ ظلَّ فيهِ الدمعُ يعصيني
وبالسقا والى مثنى قراينهِ ... رسمٌ بهِ كان عهدُ الربربِ العينِ
أيامَ سعدى هوى نفسي ونيقتها ... من لامَ زينها عندي بتزيينِ
للظبيةِ البكرِ عيناها وتلعتها ... في حسنِ مبتسمٍ منها وعرنينِ
تنوء منها إذا قامت بمردفةٍ ... كأنها الغرُّ من أنقاءِ معرونِ
لا بعدُ سعدى مريحي من جوى سقمٍ ... يوماً ولا قربها إن حمَّ يشفيني
أمست كأمنيةٍ سعدى ملاوذةً ... كانت بها النفسُ أحياناً تمنيني
إذا الوشاة لحوا فيها عصيتهمُ ... وخلتُ أن بسعدى اللومَ يغريني
وما اجننابكُ من تهوى تباعدهُ ... ظلماً وتهجرهُ حيناً إلى حينِ
إني امرؤٌ لم يخن ودي مكاذبةٌ ... ولا الغنى حفظَ أهلِ الودِّ ينسيني
وقد علمتُ وما الإسرافُ من خلقي ... أنَّ الذي هو رزقي سوفَ يأتيني
أسعى لهُ فيعنيني تطلبهُ ... ولو قعدتُ أتاني لا يعنيني
وأنَّ حظَّ امرئٍ غيري سيأخذهُ ... لا بدَّ لا بدَّ أن يحتازهُ دوني
فلن أكلفَ نفسي فوقَ طاقتها ... حرصاً أقيمُ بهِ في معطنِ الهونِ
أبيتُ ذلك رأياً لستُ قاربهُ ... ولا معرضهُ عرضي ولا ديني
من كانَ من خدمِ الدنيا أشتَّ بهِ ... حتى يقالَ صحيحٌ مثل مجنونِ
نعالج العيشَ أطوارَّ تقلبهُ ... فيهِ أفانين تطوى عن أفانينِ