وكأنَّ فارةَ تاجرٍ بقسيمةٍ ... سبقتْ عوارضها إليكَ من الفمِ
أو روضةً أنفاً تضمَّنَ نبتها ... غيثٌ قليلُ الدِّمنِ ليسَ بمعلمِ
جادتْ عليه كلُّ بكرٍ حرَّةٍ ... فتركنَ كلَّ قرارةٍ كالدِّرهمِ
سحّاً وتسكاباً فكلُّ عشيَّةٍ ... يجري عليها الماءُ لم يتصرَّمِ
وخلا الذُّبابُ بها فليسَ ببارحٍ ... غرداً كفعلِ الشَّاربِ المترنِّمِ
غرداً يحكَّ ذراعهُ بذراعهِ ... قدحَ المكبِّ على الزِّنادِ الأجذمِ
تمسي وتصبح فوقَ ظهرِ حشيَّةٍ ... وأبيتُ فوقَ سراةِ أدهمَ ملجمِ
وحشيَّتي سرجٌ على عبلِ الشَّوى ... نهدٍ مراكلهُ نبيلُ المحزمِ
هل تبلغنِّي دارها شدنيَّةٌ ... لعنتْ بمحرومِ الشَّرابِ مصرَّمِ
خطَّارةٌ غبَّ السُّرى زيَّافةٌ ... تطسُ الإكامَ بوقعِ خفٍّ ميثمِ
وكأنما أقصُ الإكامَ عشيَّةً ... بقريبِ بينَ المنكبينِ مصلَّمِ
تأوي لهُ قلصِ النَّعامِ كما أوتْ ... حزقٌ يمانيةٌ لأعجمَ طمطمِ
يتبعنَ قلَّةَ رأسهِ وكأنَّهُ ... حرجٌ على نعشٍ لهنَّ مخيَّمُ
صعلٍ يعوذُ بذي العشيرةِ بيضهُ ... كالعبد ذي الفرو الطِّوالِ الأصلمِ
شربتُ بماءِ الدُّحرضينِ فأصبحتْ ... زوراءَ تنفرُ عن حياضِ الدَّيلمِ
وكأنَّما ينأى بجانبِ دفِّها ال ... وحشي من هزجِ العشيّ مؤوَّمِ
هرٌّ جنيبٌ كلَّما عطفت لهُ ... غضبى اتَّقاها باليدينِ وبالفمِ
بركتْ على جنبِ الرِّداعِ كأنما ... بركتْ على قصبٍ أجشَّ مهضَّمِ
وكأنَّ رباً أو كحيلاً معقداً ... حشَّ الوقودَ به جوانبُ قمقمِ
ينباعُ من ذفرى غضوبٍ حرَّةٍ ... زيَّافةٍ مثلِ الفنيقِ المكدمِ
إن تُغدفي دوني القناعَ فإنَّني ... طبٌّ بأخذِ الفارسِ المستلئمِ
أثني عليَّ بما علمتِ فإنَّني ... سمحٌ مُخالقتي إذا لم أُظلمِ
فإذا ظلمتُ فإنَّ ظلميَ باسلٌ ... مرٌّ مذاقتهُ كطعمِ العلقمِ
ولقدْ شربتُ منَ المدامةِ بعدَما ... ركدَ الهواجرُ بالمشوفِ المعلمِ
بزجاجةٌ صفراءَ ذاتَ أسرَّةٍ ... قُرنتْ بأزهرَ في الشِّمالِ مفدَّمِ
فإذا شربتُ فإنَّني مستهلكٌ ... مالي وعِرضي وافرٌ لمْ يُكلمِ
وإذا صحوتُ فما أُقصِّرُ عن ندًى ... وكما علمتِ شمائلي وتكرُّمي
وحليلِ غانيةٍ تركتُ مجدَّلاً ... تمكو فرائصهُ كشدقِ الأعلمِ
سبقتْ يدايَ لهُ بعاجلِ طعنةٍ ... ورشاشِ نافذةٍ كلونِ العندمِ
هلاَّ سألتِ القوم يا ابنةَ مالكٍ ... إنْ كنتِ جاهلةً بما لمْ تعلمي
إذْ لا أزالُ على رحالةِ سابحٍ ... نهدٍ تعاورهُ الكماةُ مكلَّمِ
طوراً يعرِّضُ للطّعانِ وتارةً ... يأوي إلى حصدِ القسيِّ عرمرمِ
يُخبركِ منْ شهدَ الوقيعةَ أنَّني ... أغشى الوغى وأعفُّ عندَ المغنمِ
ومدجَّجٍ كرهَ الكماةُ نزالهُ ... لا مُمعنٍ هرباً ولا مستسلمِ
لمَّا رآني قد نزلتُ أُريدهُ ... أبدى نواجذهُ لغيرِ تبسُّمِ
جادتْ يدايَ لهُ بعاجلِ طعنةٍ ... بمثقَّفِ صدقِ الكعوبِ مقوَّمِ
فشككتُ بالرُّمحِ الأصمِّ ثيابهُ ... ليسَ الكريمُ على القنا بمحرَّمِ
ومشكِّ سابغةٍ هتكتُ فروجَها ... بالسَّيفِ عن حامي الحقيقةِ معلمِ
رِبذٍ يدلهُ بالقداحِ إذا شتا ... هتَّاكِ راياتِ التّجارِ ملوَّمِ
فطعنتهُ بالرُّمحِ ثمَّ علوتهُ ... بمهنَّدٍ صافي الحديدةِ مخذمِ
فتركتهُ جزرَ السِّباعِ ينشنَهُ ... يقضمنَ قلَّةَ رأسهِ والمعصمِ
عهدي به مدَّ النَّهارِ كأنَّما ... خضبَ البنانُ ورأسهُ بالعظلمِ
بطلٌ كأنَّ ثيابهُ في سرحةٍ ... يُحذى نعالَ السِّبتِ ليسَ بتوأمِ
يا شاةَ ما قنصٍ لمنْ حلَّتْ لهُ ... حرمتْ عليَّ وليتَها لم تحرمِ
فبعثتُ جاريتي فقلتُ لها اذهبي ... فتحسَّسي أخبارَها لي واعلمي
قالتْ رأيتُ من الأعادي غرَّةً ... والشَّاةُ ممكنةٌ لمنْ هو مرتمي
فكأنَّما التفتتْ بجيدِ جدايةٍ ... رشاءٍ من الغزلانِ حرٍّ أرثمِ