نُبِّئتُ عمراً غيرَ شاكرِ نعمتي ... والكفرُ مخبثةٌ لنفسِ المنعمِ

ولقد حفظتُ وصاةَ عمِّي بالضُّحى ... إذْ تقلصُ الشَّفتانِ عن وضحِ الفمِ

في حومةِ الموتِ التي لا تشتكي ... غمراتِها الأبطالُ غيرَ تغمغُمِ

إذ يتَّقونَ بي الأسنَّةَ لم أخمْ ... عنها ولكنِّي تضايقَ مُقدمي

لمَّا رأيتُ القومَ أقبلَ جمعهمْ ... يتذامرونَ كررتُ غيرَ مذمَّمِ

يدعونَ عنترَ والرِّماحُ كأنَّها ... أشطانُ بئرٍ في لبانِ الأدهمِ

فازورَّ من وقعِ القنا بلبانهِ ... وشكا إليَّ بعبرةٍ وتحمحمِ

لو كانَ يدري ما المخاطبةُ اشتكَى ... ولكانَ لو علمَ الكلامَ مكلِّمي

ما زلتُ أرميهمْ بثغرةِ نحرهِ ... ولبانهِ حتَّى تسربلَ بالدَّمِ

ولقدْ شفَى نفسي وأبرأَ سقمَها ... قيلُ الفوارسِ ويكَ عنترَ أقدمِ

والخيلُ تقتحمُ الخَبارَ عوابساً ... ما بينَ شيظمةٍ وأجردَ شيظمِ

ذُللٌ ركابي حيثُ شئتُ مُشايعي ... لبِّي وأحفزهِ بأمرٍ مبرمِ

ولقدْ خشيتُ بأنْ أموتَ ولم تدرْ ... في الحربِ دائرةٌ على ابنيْ ضمضمِ

الشَّاتمي عرضي ولمْ أشتمُها ... والناذرينِ إذا لم ألقهما دمي

إنْ يفعلا فلقدْ تركتُ أباهُما ... جزرَ السِّباعِ وكلُّ نسرٍ قشعمِ

وقال عنترة:

طالَ الوقوفُ على رسومِ المنزلِ ... بين اللّكيكِ وبينَ ذاتِ الحرمَلِ

فوقفتُ في عرصاتِها متحيِّراً ... أسلُ الدِّيارَ كفعلِ منْ لمْ يذهَلِ

أفمنْ بكاءِ حمامةٍ في أيكةٍ ... ذرفتْ دموعكَ فوقَ ظهرِ المحمَلِ

لمَّا سمعتُ نداءَ مرَّةَ قد علا ... ومحلِّمٌ ينعونَ رهطِ الأخيلِ

ناديتُ عبساً فاستجابوا بالقنا ... وبكلِّ أبيضَ صارمٍ لم يُفلَلِ

حتَّى استبحنا آلَ عوفٍ غارةً ... بالمشرفيِّ وبالوشيجِ الذُّبَّلِ

إنِّي امرؤٌ من خيرَ عبسٍ منصباً ... شطري وأحمي سائري بالمنصلِ

وإذا الكتيبةُ أحجمتْ وتلاحمتْ ... ألفيتُ حسبكَ من معمٍّ مخولِ

والخيلُ تعلمُ والفوارسُ أنَّني ... فرَّقتُ جمعهمُ بطعنةً فيصَلِ

إذ لا أُبادرُ في المضيقِ فوارسي ... ولا أوكّلُ بالرَّعيلِ الأوَّلِ

إنْ يلحقوا كرُّوا وإن يستلحموا ... شدُّو وإنْ يلفوْا بضنكِ أنزلِ

عندَ النُّزولِ تكونُ غايةُ مثلنا ... ويفرُّ كلُّ مضلّلٍ مستوهلِ

ولقدْ أبيتُ على الطّوى وأظلُّهُ ... حتَّى أنالَ بهِ كريمَ المأكَلِ

بكرتْ تخوِّفني الحتوفَ كأنَّني ... أصبحتُ عن عرضِ الحتوفِ بمعزلِ

فأجبتُها إنَّ المنيَّةَ منهلٌ ... لا بدَّ أن أُسقى بذاك المنهَلِ

فاقْني حياءَكِ لا أبالكِ فاعْلمي ... إنِّي امرؤٌ سأموتُ إنْ لم أُقتَلِ

إنَّ المنيَّةَ لو تمثَّلُ مثِّلتْ ... مثلي إذا نزلوا بضنكِ المنزَلِ

والخيلُ ساهمةُ الوجوهِ كأنَّما ... تُسقى فوارسُها نقيعَ الحنظَلِ

وقال عنترة:

نأتكَ رقاشِ إلاّ عن لمامِ ... وأمْسى حبلُها خلقَ الرِّمامِ

وما ذِكري رقاشِ وقد أبنَّتْ ... رحى الأدماتِ عندَ ابنيْ شمامِ

ومسكنُ أهلِنا من نخلِ جزعٍ ... تبيضُ به مصائيفُ الحمامِ

وقفتُ وصحبَتي بثُعيلباتٍ ... على أقتادِ عوجٍ كالسَّمامِ

فقلتُ تبيَّنوا ظعناً سراعاً ... تأمُّ شواحطاً ملثَ الظَّلامِ

لقدْ منَّتكَ نفسكَ يومَ قَوٍّ ... أحاديثَ الفؤادِ المستهامِ

فقدْ كذَبتكَ نفسكَ فاصدُقنها ... بما منَّتكَ تغريراً قطامِ

ومرقصةٍ رددتُ الخيلَ عنها ... وقد همَّتْ بإلقاءِ الزِّمامِ

فقلتُ لها اقْصري منهُ وسيري ... وقدْ علقَ الرَّجائزُ بالخِدامِ

وخيلٍ تحملُ الأبطالَ شعثٍ ... غَداة الرَّوعِ أمثالَ الزِّلامِ

عناجيحٍ تخبُّ على وَجاها ... تثيرُ النَّقعَ بالموتِ الزُّؤامِ

إلى خيلٍ مسوَّمةٍ عليها ... حماةُ الرَّوعِ في رهجِ القَتامِ

بأيديهم مهنَّدةٌ وسمرٌ ... كأنَّ ظُباتها شعلُ الضِّرامِ

فجاؤوا عارضاً برداً وجئْناً ... حريقاً في غريفٍ ذي اضطرامِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015