فقالوا يالَ عمرٍو لا تفرُّوا ... فقلنا لا فرارَ ولا صدودا
فعاركنا الكماةَ وعاركونا ... عراكَ النُّمرِ واجهتِ الأسودا
علوناهمْ بكلِّ أفلَّ عضبٍ ... تخالُ جماءَ وقعتهِ خدودا
فلمْ أرَ مثلهمْ هزموا وفُلُّوا ... ولا كذيادنا غبقاً مذودا
عددتمْ عطفتينِ ولم تعدُّوا ... وقائعَ قد تركنكمُ حصيدا
تركنا البيدَ والمعزاءَ منهمْ ... تخالُ خلالها معزًى صريدا
تركنا عامريهمْ مثلَ عادٍ ... ومرَّةَ أُهلكوا إلاَّ الشَّريدا
وعبدَ الله قد قتلوا فصاروا ... همُ الأنكاسَ يرعونَ النَّقيدا
أنا الحامي الذِّمارَ وليثُ غابٍ ... أشبُّ الحربَ أشعلها وقودا
أهمُّ فلا أقصِّرُ دونَ همِّي ... أنالُ الغنمَ والبلد البعيدا
بتجهيزي المقانبَ كلَّ عامٍ ... وغاراتي على جبليْ زرودا
على الأحلافِ من أسدٍ وطيْئٍ ... وفي غطفانَ أجدرُ أن أعودا
وقال خداشٌ أيضاً:
إذا ما الثُّريا أشرفتْ في قتامها ... فُويقَ رؤوسِ النّاسِ كالرُّفقةِ السَّفْرِ
وأردفتِ الجوزاءُ يبرقُ نظمها ... كلونِ الصِّوارِ في مراتعهِ الزُّهرِ
إذا أمستِ الشِّعرى استقلَّ شعاعها ... على طلسةٍ من قرِّ أيّامها الغُبْرِ
وبادرتِ الشَّولُ الكنيفَ وفحلها ... قليلُ الضِّرابِ حينَ يرسلُ والهدرِ
ألم تعلمي والعلمُ ينفعُ أهلهُ ... وليسَ الذي يدري كآخرَ لا يدري
بأنّا على سرّائنا غيرُ جهَّلٍ ... وأنّا على ضرّائنا من ذوي الصَّبرِ
وأنَّ سراةَ الحيِّ عمرو بن عامرٍ ... مقارٍ مطاعيمٌ إذا ضنَّ بالقطرِ
وكم فيهمِ من سيِّدٍ ذي مهابةٍ ... وحمّالِ أثقالٍ وذي نائلٍ غمرِ
ومن قائلٍ لا يفضلُ النّاسُ حلمهُ ... إذا اجتمعَ الأقوامُ كالقمرِ البدرِ
ونلبسُ يومَ الرَّوعِ زغفاً مُفاضةً ... مضاعفةً بيضاً لها حببٌ يجري
ونفري سرابيلَ الكُماةِ عليهمِ ... إذا ما التقينا بالمهنَّدةِ البترِ
ونصبرُ للمكروهِ عندَ لقائنا ... ونرجعُ منهُ بالغنيمةِ والذِّكرِ
وقد علمتْ قيسُ بن عيلانَ أنَّنا ... نحلُّ إذا خافَ القبائلُ بالثَّغرِ
بحيٍّ يراهُ النّاسُ غير أُشابةٍ ... لهمْ عرضُ ما بينَ اليمامةِ والقهرِ
ترى حينَ تأتيهمْ قباباً وميسراً ... وأخبيةً من مستجيرٍ ومن تجرِ
ولا يمنعُ الحانوتَ منّا زعانفٌ ... من النَّاسِ حتَّى نستفيقَ من الخمرِ
أنا ابن الذي لاقى الهمامَ فردَّهُ ... على رغمهِ بينَ المثامنِ والصَّخرِ
أقمنا بقاعِ النَّخلِ حينَ تجمَّعتْ ... حلائبُ جعفيٍّ على محبسِ النَّفرِ
ضربناهمُ حتَّى شفينا نفوسنا ... من السَّيِّدِ العاتي الرَّئيسِ ومن دهرِ
وفي شعبى يومٌ لنا غيرُ وابطٍ ... ويومُ بني وهيٍ ويومُ بني زحرِ
نعاورهمْ ضرباً بكل مهنَّدٍ ... ونجزيهمِ بالوترِ وتراً على وترِ
دروعٌ وغابٌ لا يرى من ورائهِ ... سنا أفقٍ بادٍ ولا جبلٍ وعرِ
وقال امرؤ القيس بن عمرو بن الحارث السَّكونيّ:
طربتَ وعنّاك الهوى والتَّطرُّبُ ... وعادتكُ أحزانٌ تشوقُ وتنصبُ
وأصبحتَ من ليلى هلوعاً كأنَّما ... أصابكَ مومٌ من تهامةَ موربُ
ألا لا بلِ الأشواقُ هاجتْ همومهُ ... وأشجانهُ فالدَّمعُ للوجدِ يسكبُ
وليلى أناةٌ كالمهاةِ غريرةٌ ... منعَّمةٌ تصبي الحليمَ وتخلبُ
كأنَّ ثناياها تعلَّلنَ موهناً ... غبيقاً من الصَّهباءِ بل هيَ أعذبُ
وما أمُّ خشفٍ شادنٍ بخميلةٍ ... من الدَّهسِ منهُ هائلٌ ومكبَّبُ
يعنُّ لها طوراً وطوراً يروقها ... على الأنسِ منهُ جرأةٌ وتوثُّبُ
بأحسنَ منها مقلةً ومقلَّداً ... وإن هيَ لم تسعفْ وطالَ التَّجنُّبُ
وما روضةٌ وسْميَّةٌ حمويَّةٌ ... بها مونقاتٌ من خزامى وحلَّبُ
تعاورها ودقُ السَّماءِ وديمةٌ ... يظلُّ عليها وبلها يتحلَّبُ
بأطيبَ منها نكهةً بعدَ هجعةٍ ... إذا ما تدلَّى الكوكبُ المتصوِّبُ