فدعْ ذكرَ ليلى إذ نأتكَ بودِّها ... وإذ هيَ لا تدنو إليكَ فتسقبُ
أتتنا تميمٌ قضُّها بقضيضها ... ومن سارَ من ألفافهمْ وتأشَّبوا
برجراجةٍ لا ينفدُ الطَّرفُ عرضها ... لها زجلٌ قدِ احزألَّ وملجبُ
فلمّا رأيناهم كأنَّ زهاءهمْ ... على الأرضِ إصباحاً سوادٌ وغرَّبُ
سمونا لهمْ بالخيلِ تردي كأنَّها ... سعالٍ وعقبانُ اللِّوى حينَ تركبُ
ضوامرُ أمثالُ القداحِ يكرُّها ... على الموتِ أبناءُ الحروبِ فتحربُ
فقالوا الصَّبوحَ عندَ أوَّلِ وهلةٍ ... فقلنا لهمْ أهلٌ تميمٌ ومرحبُ
ألم تعلموا أنَّا نفلُّ عدوَّنا ... إذا احْشوشدوا في جمعهمْ وتألَّبوا
بضربٍ يفضُّ الهامَ شدَّةُ وقعهِ ... ووخزٍ ترى منهُ التَّرائبَ تشخبُ
فلاقَوا مصاعاً منْ أُناسٍ كأنَّهمْ ... أُسودُ العرينِ صادقاً لا يكذِّبُ
فلمْ ترَ منهمْ غيرَ كابٍ لوجههِ ... وآخرَ مفلولٍ وآخرَ يهربُ
ولمْ يبقَ إلاَّ خيفقٌ أعوجيَّةٌ ... وإلاّ طمِرٌّ كالهراوةِ منهبُ
وفاءَ لنا منهمْ نساءٌ كأنَّها ... بوجرةَ والسُّلاَّنِ عينٌ وربربُ
ونحنُ قتلْنا عامراً وابنَ أُمِّه ... ووافاهُما يومٌ شتيمٌ عصبصبُ
وغودرَ فيها ابْنا رياحٍ وحبترٌ ... تنوشهمُ طيرٌ عتاقٌ وأذؤبُ
ويعدو ببزِّي هيكلُ الخلقِ سابحٌ ... ممرٌّ أسيلُ الخدِّ أجردُ شرجبُ
كأنِّي غداةَ الرَّوعِ منْ أسدِ زارةٍ ... أبو أشبُلٍ عبلُ الذِّراعِ محرَّبُ
ولمَّا رأيتُ الخيلَ تدمَى نحورُها ... كررتُ فلمْ أنكلْ إذا القومُ هيَّبوا
حبوتُ أبا الرَّحَّالِ منِّي بطعنةٍ ... يمدُّ بها آتٍ منَ الجوفِ يزعبُ
فلمْ أرقِهِ إنْ ينجُ منها وإنْ يمتْ ... فجيَّاشةٌ فيها عواندُ تتعبُ
وقدْ علمتْ أولَى المغيرةِ أنَّني ... كررتُ وقدْ شلَّ السَّوامُ المعزِّبُ
ونهنهتُ ريعانَ العديِّ كأنَّهُ ... غواربُ تيَّارٍ منَ اليمِّ يُجنبُ
فسائلْ بني الجعراءِ كيفَ مِصاعنا ... إذا كرَّرَ الدَّعوى المُشيحُ المثوِّبُ
وقال عبد الله بن ثور، أحد بني البكّاء من بني عامر بن صعصعة:
أرسمَ ديارٍ لابنةِ القينِ تعرفُ ... عفا شدخُ اللَّعباءِ منها فأسقفُ
وقدْ حضرتْ عاماً بوادرَ كلّها ... فذروةُ منها فالمراضانِ مألفُ
وقدْ أنبأتني الطَّيرُ لوْ كنتُ عائفاً ... ولكنَّني بالطَّيرِ لا أتعيَّفُ
برمَّانَ والعرجينِ إنَّ لقاءها ... بعيدٌ وإنَّ الوعدَ منها سيخلفُ
نهيمُ بهندٍ منْ وراءِ تهامةٍ ... ووادي القُرى بيني وبينكَ منصفُ
ولا هندَ إلاَّ أنْ تذكَّرَ ما مضى ... تقادمَ عهدٍ والتَّذكُّرُ يشعفُ
كنانيَّةٌ ترعى الرَّبيعَ بعالجٍ ... فخيبرَ فالوادي لها متصيَّفُ
تحلُّ معَ ابنِ الجونِ حرَّ بلادهِ ... فأنتَ الهوى لو أنَّ ولْيَكَ يسعفُ
فحادثُ ديارَ المُدلجيَّةِ إذْ نأتْ ... بوجناءَ فيها للرَّادفِ تعجرفُ
منفَّجةِ الدّأيَّاتِ ذاتِ مخيلةٍ ... لها قردٌ تحتَ الوليَّةِ مشرِّفُ
كحقباءَ منْ عونِ السَّراةِ رجيلةٍ ... مراتعُها جنبا قنانٍ فمنكفُ
تخافُ عُبيداً لا يزالُ ملبَّداً ... رصيداً بذاتِ الحرفِ والعين تطرفُ
وجاءتْ لخمسٍ بعدَما تمَّ ظمؤُها ... وجانبُها ممَّا يلي الماءَ أجنفُ
فمدَّ يديهِ منْ قريبٍ وصدرهُ ... بمعبلةٍ ممَّا يريشُ ويرصفُ
فأعجلهُ رجعُ اليمينِ انصِرافها ... وأخطأها حتفٌ هنالكَ مزعفُ
فباتتْ بملتدٍّ تعشَّى خليسةً ... وباتَ قليلاً نومهُ يتلهَّفُ
على مثلهِ أقضي الهمومَ إذا اعترتْ ... وأُعقبُ إخوانَ الصَّفاءِ وأُردفُ
وندمانِ صدقٍ قدْ رفعتُ برأسهِ ... إليَّ وأوتارُ الوليدةِ تعزفُ
وذي إبلٍ لا يقربُ الحقُّ رفدَها ... تركتُ قليلاً مالهُ يتنصَّفُ
وأحسبُ أنِّي بعدَ ذلكَ أقتدي ... بأخلاقِ منِ يقري ومنْ يتعفَّفُ
ألا تلكمُ ليثٌ وعمرو بنُ عامرٍ ... حليفانِ راضُوا أمرهمْ فتحلَّفوا