فجاءتْ ولم تملكْ من الماءِ نفسها ... وسافَ الشَّريعَ أنفهُ ومشافرهْ

فرادَ قليلاً ثمَّ خفَّضَ جأشهُ ... على وجلٍ من جانبٍ وهو حاذرهْ

فدلَّى يديهِ بينَ ضحلٍ وغمرةٍ ... تخالجُ من هولِ الجنانِ بوادرهْ

وأوسٌ لدى ركنِ الشَّمالِ بأسهمٍ ... خفافٍ وناموسٍ شديدٍ حمائرهْ

إذا رابهُ من سهمهِ زيغُ قذَّةٍ ... يعوذُ بمبراةٍ له فهو حاشرهْ

فأوردهُ حتَّى إذا مدَّ صلبهُ ... وباشرَ بردَ الماءِ منه مناخرهْ

تنحَّى بمذروبٍ فأخلفَ ظنَّهُ ... وويَّلَ ملهوفاً وخيِّبَ طائرهْ

فأصدرها تعلو النِّجادَ وينتحي ... بها كلَّ ريعٍ متلئبٍّ مصادرهْ

يجنِّبُ رجليها يديهِ ورأسهُ ... شديدٌ عليها وقعهُ وغشامرُهْ

فأصبحَ ذو حسمٍ ودورانُ دونهُ ... وحسيُ القرانِ دونهُ وحزاورهْ

بعيدُ مدى صوتِ النُّهاقِ يردُّهُ ... إلى جوفهِ منهُ صحيحاً نواظرهْ

أقبٌّ قليلُ العتبِ توبعَ خلقهُ ... فأُفرغَ هاديهِ وأُرمحَ سائرهْ

كأنَّ ضئيَّيْ رأسهِ شجرُ واسطٍ ... تفاقمَ حتَّى لا حكتهُ مسامرهْ

فتلكَ بها أقضي همومي وحاجتي ... إذا ما التوتْ والهمُّ جمٌّ خواطرهْ

وقال خداشٌ أيضاً:

صبا قلبي وكلَّفني كنودا ... وعاودَ داءهُ منها التَّليدا

ولم يكُ حبُّها عرضاً ولكنْ ... تعلَّقَ داءهُ منها وليدا

ليالي إذ تربَّعُ بطنَ ضيم ... فأكنافَ الوضيحةِ فالبرودا

وإذ هيَ عذبةُ الأنيابِ خودٌ ... تُعيشُ بريقها العطشَ المجودا

ذريني أصطبحْ كأساً وأودي ... مع الفتيانِ إذ صحبوا ثمودا

فإنِّي قد بقيتُ بقاءَ حيٍّ ... ولكن لا بقاءَ ولا خلودا

وإنَّ المرءَ لم يخلقْ سلاماً ... ولا حجراً ولم يخلقْ حديدا

ولكن عائشٌ ما عاشَ حتَّى ... إذا ما كادهُ الأيّامُ كيدا

لحتْ عذَّالتايَ فقلتُ مهلاً ... ألمّا تبصرا الرّأيَ الرَّشيدا

فما إن أمرتما إلاَّ بنحلٍ ... فهلاَّ أن أُثمِّرَ أو أفيدا

سأحضرها التِّجارَ إذا أتوني ... بخمرهمِ وأمنحها المُريدا

وأروي الفتيةَ النُّدماءَ منها ... ذوي شركٍ يعدُّونَ الفقودا

رأيتُ الله أكثر كلِّ شيءٍ ... محاولةً وأكثرهُ جنودا

تقوهُ أيُّها الفتيانُ إنِّي ... رأيتُ اللهَ قد غلبَ الجدودا

رأيتُ الخادرَ المحجوبَ منّا ... يلقَّى حتفهُ والمستريدا

ولمّا يُبقِ من سرواتِ فهرٍ ... وخندفِ هذه إلاَّ شريدا

تولَّوا نضربُ الأقفاءَ منهمْ ... بما انتهكوا المحارمَ والحدودا

وأبرحُ ما أدامَ اللهُ رهطي ... رخيَّ البالِ منتطقاً مجيدا

بساهمةٍ أهنتُ لها عيالي ... وأمنحها الخليَّةَ والصَّعودا

وأُلحفها إذا ما الكلبُ ولَّى ... براثنهُ وجبهتهُ الجليدا

ردائيَ فهيَ صافنةٌ إلينا ... تشيمُ بطرفها البلد البعيدا

منَ المتلفِّتاتِ لجانبيها ... إذا أخضلنَ بالعرقِ اللَّبُّودا

أقدتُ بثابتٍ وإلى زيادٍ ... رضختُ بنعمةٍ وإلى يزيدا

وفي النَّجارِ قد أسديتُ نعمى ... وأجدرْ في النَّوائبِ أن أعودا

إذِ الأشهادُ من عمرو بن عوفٍ ... قعودٌ في الرِّفاقِ وفي يهودا

أثيبوني القيانَ إذا انتديتمْ ... وبزلَ الشَّولِ تحدى والبرودا

وجرداً في الأعنَّةِ مصغياتٍ ... حدادَ الطَّرفِ يعلكنَ الحديدا

فأبلغْ إن عرضتَ بنا هشاماً ... وعبد الله أبلغْ والوليدا

أولئكَ إن يكنْ في القومِ خيرٌ ... فإنَّ لديهمِ حسباً وجودا

همُ خيرُ المعاشرِ من قريشٍ ... وأوراها إذا قدحتْ زنودا

بأنّا يومَ شمظةَ قد أقمنا ... عمودَ المجدِ إنَّ له عمودا

جلبنا الخيلَ ساهمةً إليهمْ ... عوابسَ يدَّرعنَ النَّقعَ قودا

وبتنا نعقدُ السِّيما وباتوا ... وقالوا صبِّحوا الأنسَ الحريدا

وقد حتموا القضاءَ ليجعلنّا ... مع الإصباحِ جاريةً وئيدا

فجاؤوا عارضاً برداً وجئنا ... كما أضرمتَ في الغابِ الوقودا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015