إنّا تركنا لدى الهلْتى أبا جعلٍ ... ينوءُ في الرُّمحِ والأقتابُ تندلقُ
أجرَّهُ خيبريٌّ صدرَ مطَّردٍ ... فيه سنانٌ كنجمِ الرَّجمِ يأتلقُ
إنَّ الفوارسَ من جرمٍ ومن ثعلٍ ... آلَوا بآبائهم أن تُمنعَ الطُّرقُ
أضحتْ سميراءُ تردي في جوانبها ... خيلٌ عليها فتوٌّ في الوغى صدقُ
وقال الأجدع بن مالك الهمدانيّ:
أسألتني بركائبٍ ورحالها ... ونسيتِ قتلَ فوارسِ الأرباعِ
الحارثِ بن يزيدَ ويبكِ أعولي ... حلواً شمائلهُ رحيبَ الباعِ
فلو أنَّني فوديتهُ لفديتهُ ... بأناملي وأجنَّهُ أضلاعي
ونفعتُ غيرهُ في اللِّقاءِ وفاتهُ ... نفعي وكلُّ منيَّةٍ بجماعِ
تلكَ الرَّزيَّةُ لا قلائصَ أُسلمتْ ... برحالها مشدودةَ الأنساعِ
أبلغْ لديكَ أبا عميرٍ مألكاً ... فلقدْ أنختَ بمبركٍ جعجاعِ
ولقدْ قتلنا من بنيكَ ثلاثةً ... فلتنزعنَّ وأنتَ غيرُ مطاعِ
والخيلُ تعلمُ أنَّني جاريتها ... بأجشَّ لا ثلبٍ ولا مظلاعِ
يصطادكَ الوحدَ المدلَّ بحضرهِ ... بشريحِ بينَ الشَّدِّ والإيضاعِ
يهدي الجيادَ وقد تزايلَ لحمهُ ... بيديْ فتًى سمحِ اليدينِ شجاعِ
فرضيتُ آلاءَ الكميتِ فمن يبعْ ... فرساً فليسَ جوادنا بمباعِ
إنَّ الفوارسَ قد عرفتَ مكانها ... فانعقْ بشائكَ نحو آلِ رداعِ
خيلانِ من قومي ومن أعدائهمْ ... خفضوا أسنَّتهمْ وكلٌّ ناعي
خفضوا الأسنَّةِ بينهمْ فتواسقوا ... يٌسقونَ في حللٍ من الأدراعِ
والخيلُ تنزو في الأعنَّةِ بيننا ... نزوَ الظِّباءِ تحوِّشتْ بالقاعِ
فكأنَّ قتلاها كعابُ مقامرٍ ... ضربتْ على شزنٍ فهنَّ شواعي
وهلتْ فهنَّ يسرنَ في أرماحنا ... ورفعنَ وهْوهةً صهيلَ وقاعِ
ولَحقنهُ بالجزعِ جزعِ حَبوْننٍ ... يطلبنَ أذواداً لأهلِ ملاعِ
ففدًى لهمْ أمِّي وأمُّهمُ لهمْ ... فبمثلهمْ في الوترِ يسعى السَّاعي
ولقد شددتمْ شدَّةً مذكورةً ... ولقد رفعتمْ ذكركمْ بيفاعِ
فَلتبلغنْ أهلَ العراقِ ومذحجاً ... وعكاظَ شدَّتنا لدى الإقلاعِ
أبني الحُصينَ ألم يحنكمْ بغيكمْ ... أهلَ اللِّواءِ وسادةَ المرباعِ
شهدوا المواسمَ فانتزعنا ذكرهمْ ... منهمْ بأمرِ صريمةٍ وزماعِ
أبلغْ قبائلَ مذحجٍ ولفيفها ... أنِّي حميتُ محاميَ الأجراعِ
وتركتُ أكتلَ والمخزَّمَ وابنهُ ... رهناً لوردِ لعاوسٍ وضباعِ
فلكمْ يدايَ بيومِ سوءٍ بعدها ... متكفِّلٍ بتفرُّقٍ وضياعِ
وتظلُّ جالعةُ القناعِ خريدةٌ ... لم تبدُ يوماً غيرَ ذاتِ قناعِ
أبَني منسِّفةِ استِها لا تأمنوا ... حرباً تقضُّ مضاجعَ الهجّاعِ
حتَّى تلفَّ أصارمٌ بأصارمٍ ... ويلمَّ شتُّ تفرُّقِ الأوزاعِ
وترى أبا الأبداءِ يسحبُ هدمهُ ... حيرانَ ملتجئاً إلى الأكماعِ
ولقد بلا جعلُ المخازي بأسنا ... ومحالنا في كبَّةِ الوعواعِ
فنجا ومقلتهُ يقسِّمُ لحظها ... فنَّينِ بينَ أخادعٍ ونخاعِ
وقال يزيد بن المخرّم بن حزن بن زياد، أخو بني الحارث بن كعب:
تعجَّبُ جارتي لمّا رأتني ... كذاتِ النَّوطِ مخدرتي جراحي
كأنَّكِ لم تريْ قبلي أسيراً ... يقادُ به على جملٍ رداحِ
على آثارِ أحمرةٍ وفرقٍ ... تقسَّمُ بينَ أغولةٍ شحاحِ
فلمّا أنزلوني كنتُ حرّاً ... أجالدهمْ لدى كفلِ الجناحِ
تعاورهُ الرِّجالُ فأنزلوني ... عن الفرسِ المطهَّمةِ الوقاحِ
فلمّا إن كثرتُ وغابَ قومي ... أسرتُ إسارَ محتبلِ البراحِ
رأوني مفرداً فتناذروني ... وما صدعتْ كماتهمُ جماحي
وقد روَّعتهمْ قِدماً بخيلٍ ... جوانفَ في الأعنَّةِ كالسِّراحِ
إذا بلَّتْ أعنَّتها بناني ... خرجنَ بنا نواشطَ كالقداحِ
ولو أنِّي جمعتُ لهمْ شواري ... على نهدٍ مراكلهُ شناحِ
لأنكرني الذينَ تبادروني ... عليَّ مفاضتي ومعي سلاحِ