كأنَّ عديَّهمْ حولي عبابٌ ... تغطمطَ في قموسِ البحرِ ضاحي

وغابَ حلائبي وبقيتُ فرداً ... أُماصعهمْ ونهضكَ بالجناحِ

فما أدري وظنِّي كلُّ ظنٍّ ... أيُسلمني بنو البدءِ اللِّقاحِ

فتقتلني بنو خبرٍ بذهلٍ ... وكدتُ أكونُ من قتلى الرِّياحِ

وظنِّي أن ستشغلكَ النَّدامى ... غدوُّهمُ إليكَ معَ الرَّواحِ

تغنِّيكَ الحمامةُ كلَّ فجرٍ ... على التُّكآتِ في النُّجبِ الصَّباحِ

إذا فارقتَ ندماناً بليلٍ ... تواعدهُ لقاءكَ ذا صباحِ

وإنَّ أخاكَ إن غُيِّبتَ عنهُ ... يغصُّ بنغبةِ الماءِ القراحِ

فلوْ كنتَ الأسيرَ ولا تكنهُ ... لزرتهمُ بمرتجفِ النَّواحِ

فإن لم يطلقوا منكم أسيراً ... فقودوا الخيلَ أسفلَ من رُباحِ

ولا يردعكمُ شفقٌ علينا ... فبعضُ القودِ أدنى للنَّجاحِ

وإنَّ القودَ بعد القودِ يشفي ... ذوي الأضغانِ من لهبِ الأُحاحِ

جبر بن الأسود

وقال جبر بن الأسود المعاويّ، من بني الحارث بن كعب:

أجدَّكَ لم تعرفْ أثافيَّ دمنةٍ ... مررتَ على أطلالها لا تعرِّجُ

بلى فتداعى الدَّمعُ حتَّى كأنَّما ... جفونكَ سمطٌ خانهُ السِّلكُ ممرجُ

لياليَ ليلى لا تزالُ كأنَّها ... هميجٌ بذي الدَّثَّينِ غرّاءُ عوهجُ

ربيبةُ خدرٍ لم تكشَّفْ سجوفهُ ... وفارةُ مسكٍ آخرَ اللَّيلِ تارجُ

كأنَّ ثناياها وبردَ رضابها ... هدوّاً نطافٌ بالمسيلةِ حشرجُ

تشجُّ به رقراقةٌ صرخديَّةٌ ... عقيلةُ محذوفٍ يغصُّ وينشجُ

تذكَّرتها من بعدِ ما حالَ دونها ... من النّأي طلحٌ بالحجازِ وعوسجُ

فإنّي بليلى جيرِ أن تُسعفَ النَّوى ... ومن دونها غولُ البطاحِ فمنعجُ

فدعْ ذا ولكنْ هل ترى رأيَ كاشحٍ ... يخبُّ إلينا بالوعيدِ ويهدجُ

كذبتمْ وبيت الله لا تأخذونها ... بني عانسٍ حتَّى تروحوا وتدلجوا

وحتَّى ترى الحوَّ الطِّوالَ متونها ... على ضوءِ نارٍ أو معَ الصُّبحِ تسرجُ

وحتَّى ترى النَّجدَ البسيلَ كأنَّما ... يضرِّجهُ بالزَّعفرانِ مضرِّجُ

وحتَّى ترى اللّيسَ الكُماةَ كأنَّما ... تصلَّوا ذكاً يلوي القلوبَ فيهرجُ

كبتْ كرَّةُ الأبدانِ فوقَ جلودهمْ ... إذا لبسوا ما كان داوودُ ينسجُ

هنالكَ إنْ تغلبْ تكنْ أنتَ ربَّها ... وإنْ تنهكمْ عنها الحواجزُ تعنجوا

حواجزُ رحمٍ أو قتالُ عشيرةٍ ... وعادةُ بعضِ الظُّلمِ بالظُّلمِ تلهجُ

وما خلتُ أنِّي نلتُ مالَ عشيرةٍ ... ولا حيبةً إنَّ الأمورَ تفرَّجُ

فلستُ بمولى باطلٍ إن طلبتهُ ... وما لكَ عندي بالظُّلامةِ مدلجُ

متى تلقني لا تلقَ شكَّةَ واحدٍ ... إذا افترَّ يوماً عن لظًى يتأجَّجُ

معي مشرفيٌّ كالعقيقةِ صارمٌ ... به أثرٌ بالمتنتينِ مدرَّجُ

وأسمرُ خطِّيٌّ كأنَّ اهتزازهُ ... مقاطُ قليبٍ مسَّهُ الماءُ مدمجُ

وأبيضُ فضفاضٌ كنهيٍ تبسَّمتْ ... له تحتَ ذيلِ الصُّبحِ في القاعِ نيرجُ

فيالكَ من بزِّ امرئٍ ذي حفيظةٍ ... يخبُّ به عبلُ المعاقمِ مهرجُ

وقد علمتْ إنِّي وإنَّكَ في الوغى ... إذا اعتكرتْ أصغى إلى السِّلمِ مذحجُ

وقد لفَّ شخصينا سرادقُ هبوةٍ ... فخانكَ صبرٌ يومَ ذلك مخدجُ

فحاذر هديّاها فإنِّي زعيمها ... وأشنعُ ما يُنثى الكلامُ الملجلجُ

الحارث بن جحدر

وقال الحارث بن جحدرٍ الحضرميّ ثمَّ الصدفيّ:

أتهجرُ أمْ لا اليومَ من أنتَ عاشقهْ ... ومن أنتَ مشتاقٌ إليهِ وشائقُهْ

ومن أنتَ طولَ الدَّهرِ ذكرُ فؤادهِ ... ومن أنتَ في صرمِ الخلائقِ وامقهْ

ورئمٍ أحمِّ المقلتينِ موشَّحٍ ... زرابيُّهُ مبثوثةٌ ونمارقهْ

أغنَّ غضيضِ الطَّرفِ عذبٍ رضابهُ ... تُعلَّلُ بالمسكِ الذَّكيِّ مفارقهْ

بذلتُ لشيخيهِ التِّلادَ فنلتهُ ... وما كدتُ حتَّى سافَ مالي أوافقهْ

وغيثٍ من الوسميِّ أسحجَ فارتوى ... من الماءِ حتَّى ضاقَ بالماءِ طالقهْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015