فظلتُ ولمْ تعلمْ رميمُ كأنَّني ... مهمٌّ ألَّثتهُ الدُّيونُ الخوالِعُ
تذكَّرَ أيَّامَ الشَّبابِ الذي مضى ... ولمَّا ترعْنا بالفراقِ الرَّوائِعُ
بأهلي خليلٌ إنْ تحمَّلتُ نحوهُ ... عصاني وإنْ هاجرتهُ فهو جازِعُ
وكيفَ التَّعزِّي عنْ رميمَ وحبّها ... على النَّأي والهجران في القلبِ ناقِعُ
طويتُ عليهِ فهوَ في القلبِ شامةٌ ... شريكُ المنايا ضمِّنتهُ الأضالِعُ
وبيضٍ تهادَى في الرِّياطِ كأنَّها ... نِهَيْ لسلسٍ طابتْ لهنَّ المراتِعُ
تخيَّرنَ منَّا موعداً بعدَ رقبةٍ ... بأعفرَ تعلوهُ السُّروجُ الدَّوافِعُ
فجئنَ هدوّاً والثِّيابُ كأنَّها ... منَ الطَّلِّ بلَّتها الرِّهامُ النَّواشِعُ
جرى بينَنا منهمْ رسيسٌ يزيدُنا ... سقاماً إذا ما استيقنتهُ المسامِعُ
قليلاً وكانَ اللَّيلُ في ذاكَ ساعةً ... فقمنَ ومعروفٌ منَ الصُّبحِ صادِعُ
وأدبرنَ من وجهٍ بمثلِ الذي بنا ... فسالتْ على آثارهنَّ المدامِعُ
يزجِّينَ بكراً ينهزُ الرَّيطُ مشيَها ... كما مارَ ثعبانُ الفضا المتدافِعُ
تبادرُ عينيْها بحكلٍ كأنَّهُ ... جمانٌ هوَى مِن سلكهِ متتايِعُ
وقمنا إلى خوصٍ كأنَّ عيونَها ... قلاتٌ تراخَى ماؤها فهوَ واضِعُ
فولَّتْ بنا تغشى الخبارَ ملحَّةً ... معاً حُولها واللاقحاتُ الملامِعُ
وإنِّي لصرَّامٌ ولمْ يخلقِ الهوى ... جميلٌ فِراقي حينَ تبدو الشَّرائِعُ
وإنِّي لأسْتبقي إذا العسرُ مسَّني ... بشاشةَ نفسي حينَ تُبلى المنافِعُ
وأعفي عنْ قومي ولو شئتُ نوَّلوا ... إذا ما تشكَّى الملحفُ المتضارِعُ
مخافةَ أنْ أُقلى إذا شئتُ سائلاً ... وترجِعني نحوَ الرِّجالِ المطامِعُ
فأسمعَ منَّا أوْ أُشرِّفُ منعماً ... وكلُّ مُصادي نعمةٍ متواضِعُ
وأُعرضُ عنْ أشياءَ لوْ شئتُ نلتُها ... حياءً إذا ما كانَ فيها مقاذِعُ
ولا أدفعُ ابنَ العمِّ يمشي على شفاً ... ولوْ بلغتْني من أذاهُ الجنادِعُ
ولكنْ أُواسيهِ وأنسى ذنوبهُ ... لترجعهُ يوماً إليَّ الرَّواجِعُ
وأُفرشهُ مالي وأحفظُ غيبهُ ... ليسمعَ إنِّي لا أُجازيهِ سامِعُ
وحسبكَ منْ جهلٍ وسوءِ صنيعةٍ ... معاداةُ ذي القربى وإنْ قيلَ قاطِعُ
فأسلمْ عِناك الأهلَ تسلمْ صدورهمْ ... ولا بدَّ يوماً أنْ يروعكَ رائِعُ
فتبلوهُ ما سلَّفتَ حتَّى يردُّهُ ... إليكَ الجوازي وافراً والصَّنائِعُ
فإنْ تبلِ عفواً يعفُ عنكَ وإنْ تكنْ ... تقارعُ بالأُخرى تُصبكَ القوارِعُ
ولا تبتدعْ حرباً تطيقُ اجتنابها ... فيلحمكَ النَّاسَ الحروبَ البدائِعُ
لعمري لنعمَ الحيُّ إنْ كنتَ مادحاً ... همُ الأزدُ إنَّ القولَ بالصِّدقِ شائِعُ
كرامٌ مساعيهمْ جسامٌ سماعهمْ ... إذا ألغتِ النَّاسَ الأمورُ الشَّرائِعُ
لنا الغرفُ العليا منَ المجدِ والعُلى ... ظفرنا بها والنَّاسُ بعدُ توابِعُ
لنا جبَلا عزٍّ قديمٌ بناهُما ... تليعانِ لا يألوهما منْ يتالِعُ
فكمْ وافدٍ منَّا شريفٌ مقامهُ ... وكمْ حافظٍ للقرنِ والقرنُ وادِعُ
ومِن مطعمٍ يومَ الصَّبا غيرَ حامدٍ ... إذا شصَّ عنْ أبنائهنَّ المراضِعُ
يشرِّفُ أقواماً سِوانا ثيابُنا ... وتبقى لهمْ أنْ يلبسوها سمائِعُ
إذا نحنُ ذارعْنا إلى المجدِ والعُلى ... قبيلاً فما يستطيعُنا مَن يذارِعُ
ومنَّا بنو ماءِ السَّماءِ ومنذرٌ ... وجفنةُ منَّا والقرومُ النَّزائِعُ
قبائلُ منْ غسَّانَ تسمو بعامرٍ ... إذا انتسبتْ والأزدُ بعدُ الجوامِعُ
أدانَ لنا النُّعمانُ قيساً وخندفاً ... أدانَ ولمْ يمنعْ ربيعةَ مانِعُ
وقال عبيد أيضاً:
أرسمَ ديارٍ بالسِّتارينِ تعرفُ ... عفتْها شمالٌ ذاتُ نيرينِ حرجفُ
مبكِّرةٌ للدَّارِ أيما ثمامُها ... فينقى وأيما عنْ حصاها فتقرفُ
حرونٌ على الأطلالِ من كلِّ صيفةٍ ... وفقّا عليها ذو عثانينَ أكلفُ