إذا ركضَ الأبطالُ مِن خشيةِ الرَّدى ... كركضِ الغطاطِ في يدِ المتنمِّسِ

الكميت

وقال الكميت بن معروف بن الكميت بن ثعلبة الفقعسي:

أرى العينَ مذْ لمْ تلقَ ديلمَ راجعتْ ... هواها القديمَ في البُكا فهوَ دابُها

وما ذكرتْ إلاَّ أكفكفُ عبرةً ... بعينيَ منها ملؤُها أو قرابُها

دنتْ دنوةً مِن دارِنا ثمَّ أصبحتْ ... بمنزلةٍ ناءٍ علينا منابُها

ولوْ كنتُ أرجو أنْ أنالَ كلامَها ... إذا جئتُ لمْ يبعدْ عليَّ طلابُها

وما عنْ قلًى هجرانُها غيرَ أنَّهُ ... عداني ارتقابي قومَها وارتقابُها

وإنِّي ليَعروني الحياءُ معَ الذي ... يُخامرني من ودِّها وأهابُها

وأعرضُ عنها والفؤادُ كأنَّما ... يصلَّى بنارٍ يعتريهِ التهابُها

فللهِ نفسٌ كاذبتْني عنِ المُنى ... وعنْ ذكرِها والنَّفسُ جمٌّ كذابُها

ودرُّ هوًى يومَ المنيفةِ قادَني ... لجاذبةِ الأقرانِ بادٍ خلابُها

إذا هيَ حلَّتْ بالفراتِ ودجلةٍ ... وحرَّةِ ليلى دونَ أهلِي ولابُها

فليتِ حمامَ الطَّفِّ يرفعُ حاجَنا ... إليها ويأتينا بنجدٍ جوابُها

سلِ القلبَ يا بنَ القومِ ما هو صانعٌ ... إذا نيَّةٌ حانتْ وخفَّتْ عقابُها

أتجزعُ بعدَ الحلمِ والشَّيبِ أنْ ترى ... دجنَّةَ لهوٍ قدْ تجلَّى ضبابُها

ألا يا لقومٍ للخيالِ الذي سرَى ... إليَّ ودُوني صارةٌ فعنابُها

سرى بعدَما غارَ السِّماكُ ودونَنا ... مياهُ حصيدٍ عينُها فكثابُها

عسَى بعدَ هجرٍ أنْ يداني بينَنا ... تصعُّدُ أيدي العيسِ ثمَّ انصبابُها

وجوبُ الفَيافي بالقلاصِ قدِ انطوتْ ... ولا يقطعُ الموماةَ إلاَّ اجتيابُها

بكلِّ سبنْتاةٍ إذا الخمسُ ضمَّها ... تقطِّعُ أضغانَ النَّواجي هبابُها

إذا وردتْ ماءً عنِ الخمسِ لمْ يكنْ ... على الماءِ إلاَّ عرضُها وانجدابُها

وإن أوقدَ الحَرُّ الحزابيَّ فارْتقى ... إلى كلِّ نشزٍ محزئلٍّ سرابُها

حدتْها توالٍ لاحقاتٌ وقدَّمتْ ... هواديها أيدٍ سريعٌ ذهابُها

بهنَّ يُداني عرضُ كلِّ تنوفةٍ ... يموتُ صدًى دونَ المياهِ غرابُها

وإنْ حلَّتِ الظَّلماءُ بالبيدِ واسْتوى ... على مَن سرى بطنانُها وحدابُها

تخوَّضتُها حتَّى يفرِّجنَ غمَّها ... وينجابُ عنْ أعناقهنَّ ثيابُها

يصافحنَ حدَّ الشَّمسِ كلَّ ظهيرةٍ ... إذا الشَّمسُ فوقَ البيدِ ذابَ لعابُها

بجائلةٍ تحتَ الأحجَّةِ هجَّجتْ ... إلى همعاتٍ مستظلٍّ حجابُها

تخطَّى بها الأهوالَ كلُّ شملَّةٍ ... إذا عصبتْ عنِّي السَّديسينِ نابُها

تنيفُ برأسٍ في الزِّمامِ كأنَّهُ ... قدومُ فؤوسٍ ماجَ فيها نصابُها

وقال الكميت أيضاً:

حيِّيا بالفراتِ رسماً محِيلا ... أذهبتهُ الرِّياحُ إلاَّ قلِيلا

أُسُّ نؤيٍ تثلَّمتْ عضداهُ ... ورماداً أبدى خفيّاً ضئِيلا

مثلُ فرخِ الحمامِ قدْ ذهَّبتهُ ... عصفُ الرِّيح بكرةً وأصِيلا

مرَّةً تعتَفيهِ ريحٌ جنوبٌ ... ومراداً تهبُّ ريحاً شمولا

أيْ خليليَّ عرِّجا إنَّ هنداً ... أصبحتْ تبتغي علينا الذُّحولا

زعمتْ أنَّني ذهلتُ وليتي ... أستطيعُ الغداةَ عنها الذُّهولا

أكذبُ العالمينَ وأياً وعهداً ... كاعبٌ ما تنِي تلوَّنَ غولا

يقصرُ الظِّلُّ والحجابُ عليها ... لا ترومُ الخروجَ إلاَّ قلِيلا

ملأتْ كفَّها خضاباً وحلياً ... ثمَّ أبدتْ لنا بناناً طفِيلا

فترى لوْنها نقيّاً بهيّاً ... وترى طرفَها غضيضاً كحِيلا

قلْ لهندٍ ولا أظنُّ ثواباً ... عندَ هندٍ ولا عطاءً جزِيلا

لمْ يدعْ بينكمُ غداةَ احْتملتمْ ... من فراضَ الفراتِ لي معقولا

أذُرى النَّخلِ بالسَّوادِ رأينا ... أم رأينا لآلِ هندٍ حمولا

رفعتْ بزَّها على بغلاتٍ ... ينتقلنَ البلادَ ميلاً فمِيلا

فذرِ اللَّهوَ والتَّصابيَ وامدحْ ... مَن يحبُّ النَّدى ويُعطي الجزِيلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015