وتُلحِقُها عَجْلى رَقوصٌ رمَتْ بها ... على مارنٍ كالمِرضَخِ المتَبذِّلِ
كسبّاحةٍ في لُجّةِ البحرِ سَوَّمَتْ ... بها الرومُ تزهاها أفنينُ شَمْأَلِ
مَفاصلُها السفلى ظِماءٌ ولحمُها ... كِنازُ الأعالي من خَصيلٍ ودُخَّلِ
إذا ضمَرتْ لم يقلقِ النِّسْعُ واحْتبى ... بهِ جَوزُ حدباءِ الحَصيرَينِ عَيْهَلِ
تظلُّ إذا ما أُسمعتْ عاجِ أو بدا ... لها السوطُ غضْبى في الحديدِ المُسلسلِ
يُباري سَديساها إذا ما تَلمَّجتْ ... شباً مثلَ إبزيمِ السلاحِ المُؤسَّلِ
تمدُّ ذراعَيْها دِلاثٌ شِمِلّةٌ ... بمجرى صَفيحاتٍ من المَيسِ فُصَّلِ
وأتْلَعَ قادَ المَنكِبَيْنِ كأنّهُ ... يَمانٍ نضا من ذي نِجادَيْنِ مُنْعَلِ
إذا بركَتْ خَوَّتْ على ثَفِناتِها ... كجَلسةِ مَقرورٍ لدى النارِ مُصطَلي
ونَضّاخةُ الذِّفْرى رَجوفٌ كأنّها ... عَلاةٌ أُنيخَتْ بينَ كِيرٍ ومِعوَلِ
يصيحُ سَديساها إذا ما تلمَّجَتْ ... بِرُوقٍ حِدادٍ في مِراحٍ وأفْكِلِ
لها حُرَّتا وحشيّةٍ راعَ سمعَها ... أنيسٌ مُهيبٌ بينَ سمْعٍ مُؤَلَّلِ
وكمْ دونَ جدوى من فلاةٍ كأنّها ... إذا ضربَتْها الريحُ سَحْقٌ مُهَلْهَلُ
تموتُ الرياحُ الهُوجُ في حجراتِها ... وأيْهاتَ من أقطارِها كلُّ مَنهَلِ
قطعْتُ بشَوشاةٍ كأنَّ قُتودَها ... على خاضبٍ يعلو الأغرَّيْنِ مُجْفِلِ
كأنَّ عمودَيْ قامةٍ رجَفا بهِ ... برَوقَيْهِما أفْنانُ بانٍ مُشعَّلِ
يخافُ على بَيضاتِهِ الليلَ قدْ دنا ... وتَهْتانَ وكّافِ الجِنابَيْنِ مُخْضِبِ
أطافَ بهِ طَوفَيْنِ ثمَّ ثنى لهُ ... نصيحةَ وُدٍّ من جِرانٍ وكَلكَلِ
فلمّا تجلّى ما تجلّى من الدُّجى ... وشمَّرَ صعْلٌ كالخيالِ المُخيَّلِ
غدَوْنَ كبُهْمِ الخابِطينَ خِلافَها ... وخَلفَ مُزَجٍّ يحسِرُ الكفَّ مُحْوِلِ
أذلكَ أم كُدْرِيَةٌ ظلَّ فرخُها ... لقىً بشَرْوَرى كاليتيمِ المُعيَّلِ
كُداريّةٌ ليستْ بزَعْزاءَ حَمشَةٍ ... ولا قُذَّتَيْ لغْبٍ على فُوقٍ مُغزِلِ
غدَتْ من عليها بعدَما تَمَّ ظِمئُها ... تَصِرُّ وعنْ قَيضٍ بزِيزاءَ مَجهَلِ
غُدُوّاً طوى يومَينِ غيرَ انطلاقِها ... كمِيلَيْنِ عن سَيرِ القَطا غيرَ مُؤتَلي
إذا عرضَتْ داوِيّةٌ صَيْخَدِيّةٌ ... بها غمراتٌ من سرابٍ وإزْمِلِ
سمَتْ غيرَ إصعادٍ فيغتالُ شأوَها ... سُمُوٌّ ولمْ تجنحْ بجِيدٍ وكَلكَلِ
تُقلِّبُ منها مَنكبَيْنِ كأنّما ... خوافِيهما حُجْرِيَّةٌ لمْ تَفَلَّلِ
فجاءَتْ تَهادى من بعيدٍ كأنّها ... دَلاةٌ هوَتْ من قَطْعِ رِمْثٍ مُوصَّلِ
إلى ناعمِ البَرْدِيِّ وسْطَ عيونِهِ ... علاجيمُ جُونٌ بينَ صُدٍّ ومَحفِلِ
فلمّا دنَتْ للماءِ وانضمَّ ريشُها ... إلى جَوزِها وحشيّةٌ لم تُهوَّلِ
إلى منهَلٍ خالي الجبا لمْ تجِدْ بهِ ... أنيساً ولا إرصادَ شبْكٍ مُحبَّلِ
شفَتْ ما بها من لوحةٍ مُستكِنَّةٍ ... وخلَّتْ لأفواجٍ توارَدْنَ نُهَّلِ
تَواقَعْنَ بالبطحاءِ يَحسُونَ ماءَها ... كحَسوِ النصارى صِرفَ دَنٍّ مُفَلْفَلِ
فراحَتْ تُنادي باسمِها شِمَّرِيَّةٌ ... سقَتْ في لطيفِ الطَّيِّ للماءِ محملِ
مُعرَّىً وثيقَ العقدِ كَفْتاً كأنّهُ ... إلى المُنحنى من جِيدِها جِرْوُ حَنظَلِ
فقدْ علِمتْ إلاّ الأمانيَّ أنها ... بجِدّاءَ إلاّ تسبِقِ الليلَ تثكَلِ
فزادَتْ على البَدءِ الذي استوردَتْ لهُ ... أفانينَ من باقي الذخيرةِ مُفْضِلِ
فجاءَتْ ومن أخرى النهارِ بقيّةٌ ... أضَرَّ بها سُلاّفُ أدعَجَ مُقبِلِ
فلمّا دنَتْ من عهدِهِ وتبيَّنتْ ... معارفَ منهُ بينَ قُفٍّ وإرْمِلِ
دعَتْهُ فناداها وما اعوجَّ صدرُها ... بمثلِ الذي قالتْ لهُ لمْ تبدَّلِ
فبَشَّتْ بهِ إذْ كانَ حقّاً وسبْقَها ... دُجىً قد أظلَّتْها ولمّا تَجلَّلِ
فباتَتْ تُسَقِّيهِ بأرضٍ تَنُوفةٍ ... كلَدِّ الشَّجى حتى ارتوى غيرَ مُعجَلِ