وحبلُ اللهِ حبلكَ منْ ينلهُ ... فما لعرى يديهِ منَ انفصامِ
يداكَ يدٌ ربيعُ الناسِ فيها ... وفي الأخرى الشهورُ منَ الحرامِ
وإنَّ الناسَ لولا أنتَ كانوا ... حصى خرزٍ تحدرَ منْ نظامِ
وليسَ الناسُ مجتمعينَ إلاَّ ... لخندفَ في المشورةِ والخصامِ
وبشرتِ السماءُ الأرضَ لما ... تحدثنا بإقبالِ الإمامِ
إلى أهلِ العراقِ وإنما همْ ... بقايا مثلُ أشلاءِ الرمامِ
أتانا زائرٌ كانتْ علينا ... زيارتهُ منَ النعمِ الجسامِ
أميرَ المؤمنينَ بكمْ نعشنا ... وجذَّ حبالُ آصارِ الأثامِ
فجاءَ بسنة العمرين فيها ... شفاءٌ للصدورِ منَ السقامِ
رأكَ اللهُ أولى الناسِ طراً ... بأعوادِ الخلافةِ والسلامِ
إذا ما سارَ في أرضٍ تراها ... مظللةً عليهِ منَ الغمامِ
رأيتكَ قدْ ملأتَ الأرضَ عدلاً ... وضوءاً وهيَ ملبسةُ الظلامِ
رأيتُ الظلمَ لما قمتَ جذتْ ... عراهُ بشفرتي ذكرٍ حسامِ
تعنَّ فلستَ مدركَ ما تعنى ... إليهِ بساعديْ جعلِ الرغامِ
ستخزى إن لقيتَ بأرضِ نجدٍ ... عطيةَ بينَ زمزمَ والمقامِ
عطيةُ فارسُ القعساءِ يوماً ... ويوماً وهيَ راكدةُ الصيامِ
إذا الخطفى لقيتَ بهِ معيداً ... فأيهما يضمرُ للضمامِ
وقال الفرزدق يهجو أصم باهلة، واسمه عبد الله بن الحجاج:
إخالُ الباهليَّ يظنُ أني ... سأقعدُ لا يجاوزهُ سبابي
فأمي أمهُ إنْ لمْ يجاوزْ ... إلى كعبٍ ورابيتي كلابِ
أأجعلُ دارماً كابني دخانٍ ... وكانا في الغنيمةِ كالركابِ
وما أحدٌ منَ الأقوامِ عدوا ... فروعَ الأكرمينَ إلى الترابِ
أباهلَ أينَ ملجاؤكمُ إذا ما ... لحقنا بالملوكِ وبالقبابِ
تهامةَ والأباطحَ قدْ سددنا ... عليكمُ منْ تهامةَ كلَّ بابِ
إذا سعدُ بنُ زيدِ مناةَ سالتْ ... بأكثرَ في العديدِ منَ الترابِ
رأيتَ الأرضَ مفضيةً بسعدٍ ... إذا فرَّ الذليلُ إلى الشعابِ
وما قومٌ إذا العلماءُ عدوا ... عروقَ الأطيبينَ منَ الترابِ
فإنَّ الأرضَ تعجزُ عنْ تميمٍ ... وهمْ مثلَ المعبدةِ الجرابِ
وجدتَ لهمْ على الأقوامِ فضلاً ... بتوطاءِ المناخرِ والرقابِ
لقدْ هتكَ المحارمَ باهليٌّ ... يجسُّ لأختهِ ركبَ الحقابِ
تبيتُ فقاحكمْ يركبنَ منها ... فروجاً غيرَ طيبةِ الخضابِ
ولوْ ميزتمُ فيمنْ أصابتْ ... على القسماتِ أظفاري ونابي
إذنْ لرأيتمُ عظةً وزجراً ... أشدَّ منَ المصممةِ العضابِ
بمحتفظينَ إنْ فضلتمونا ... عليهمْ في القديمِ ولا غضابِ
ولوْ رفعَ السماءُ إليهِ قوماً ... لحقنا بالسماءِ على السحابِ
وقال الفرزدق في زين العابدين علي بن الحسين صلوات الله عليه، وكان الفرزدق في مجلس هشام بن عبد الملك وقد حج هشام، ونصب له سرير في الحرم فأتى علي بن الحسين عليهما السلام يطوف، وكان كلما دنا من الحجر ليستلمه انفرج الناس له. وكان هشام جالساً وحوله جماعة من أصحابه من أهل الشام ووجوههم، فقال بعض الشاميين: من هذا؟ فقال هشام ما أعرفه وهو أعرف الناس به إلا أنه خاف أن تميل قلوب الشاميين إليه، فانتصب الفرزدق وكان في المجلس فأنشد هذه القصيدة بدئها، وكان في جواب ذلك أن حبسه هشام بين المدينة ومكة، فقال الفرزدق في ذلك:
أيحبسني بينَ المدينةِ والتي ... إليها قلوبُ الناس يهوي منيبها
يقلبُ رأساً لمْ يكن رأسَ سيدٍ ... وعيناً لهُ حولاءَ بادٍ عيوبها
وذكر أن زين العابدين عليه السلام نفذ إلى الفرزدق مالاً كثيراً، فقال الفرزدق وهو في الحبس، وقد جاء إليه المال: والله ما فعلت ذلك، وقلت ما قلت إلا غيرة لما سمعت، ورد المال، فأعاده زين العابدين عليه السلام، وقال: إنا أهل بيت إذا خرج منا مال لم يرجع إلينا فقبله حينئذ، وهذه القصيدة رواها لي أبو المعمر الأنصاري رحمه الله متصلة الإسناد إلى الفرزدق، وشذ عني إسنادها:
هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأتهُ ... والبيتُ يعرفهُ والحجرُ والحرمُ