فأعرضتُ عنها والفؤادُ كأنَّما ... يرى لو تناديه بذلكَ مغنما
فإنَّكِ عمرِي هلْ أريكِ ظعائناً ... بصحْنِ الشَّبا كالدَّومِ من بطنِ تريما
نظرتُ إليها وهيَ تنضُو وتكتسَي ... من القفرِ آلاً كلَّما زالَ أقتَما
وقد جعلتْ أشجانَ بركٍ يمينها ... وذاتَ الشِّمالِ منْ مريخةَ أشأما
مولّيةً أيسارَها قطنَ الحِمى ... تواعدْنَ شِرباً منْ حمامةَ معلما
نظرْتُ إليها وهي تحدْى عشيّةً ... فأتبعتهُمْ طرفيَّ حتىً تتمّما
تروعُ بأكنافِ الأفاهيدِ عيرُها ... نعاماً وحقْباً بالفدافدِ صيَّما
ظعائنُ يشفِينَ السَّقيمَ منَ الجوَى ... بهِ ويخبِّلنَ الصَّحيحَ المسلَّما
يهنَّ المنقىً عندهنَّ عنْ القذَى ... ويكرِ من ذا القاذورةِ المتكرِّما
وكنتُ إذا ما جئتُ أجللنَ مجلسِي ... وأظهرنَ منّي هيبةً لا تجهُّما
يحاذِرنَ منِّي غيرَةً قدْ علمنَها ... قديماً فما يضحكنَ إلا تبسّما
يكلّلن حدَّ الطَّرفِ عن ذي مهابةٍ ... أبانَ أولاتِ الدَّلِّ لمّا توسَّما
تراهنَّ إلاَّ أنْ يؤدِّينَ نظرَةً ... بمؤخرِ عينٍ أو يقلّبنَ معصما
كواظمَ لا ينطِقنَ إلاَّ محورةً ... رجيعةً قولٍ بعدَ أنْ يتفهَّما
وكنَّ إذا ما قلنَ شيئاً يسرُّهُ ... أسرَّ الرِّضا في نفسهِ وتجرَّما
فأقصَرَ عنْ ذاكَ الهوَى غيرَ أنَّه ... إذا ذكرتْ أسماءُ عاجَ مسلّما
وقال كثير:
عفتْ غيقةٌ من أهلِها فحريمها ... فبرقةُ حسمَي قاعُها فصريمُها
وهاجتْكَ أطلالٌ لعزَّةَ باللِّوى ... يلوحُ بأطرافِ البراقِ رسومُها
إلى المئبرِ الدّاني من الرَّملِ ذي الغضا ... تراها وقد أقوتْ حديثاً قديمُها
وكانَ خليلي يومَ رُحنْا وفتّحتْ ... من الصَّدرِ أشراجٌ وفضَّتْ ختومُها
أصابتْكَ نبلُ الحاجبيَّةِ إنَّها ... إذا ما رمتْ لا يستبلُّ كليمُها
كأنَّك مردُوعٌ منَ الشَّمسِ مطرَدٌ ... يقارفهُ من عقدةِ البقعِ هيمُها
أخو حيَّةٍ عطشَى بأرضٍ ظميَّةٍ ... تجلَّلَ غشياً بعدَ غشيٍ سليمُها
إذا شحطتِ يوماً بعزَّةَ دارُها ... عنْ الحيّ صفقاً فاستمرَّ مريرُها
فإنْ يمسِ قدْ شطَّت بعزَّةَ دارُها ... ولمْ يستقمْ والعهدُ منها زعيمُها
فقدْ غادرَتْ في القلبِ منِّي زمانةً ... وللعينِ عبراتٌ سريعاً سجومُها
فذوقي بما جشَّمتِ عيناً مشومةً ... قذاها وقد يأتي على العينِ شومُها
فلا تجزعِي لمّا نأتْ وتزحزحَتْ ... بعزَّة دوراتُ النَّوَى ورجُومُها
ولِي منْكِ أيّامٌ إذا شحطُ النَّوَى ... طوالٌ وليلاتٌ تزولُ نجومُها
قضى كلُّ ذي دينٍ فوفّى غريمَهُ ... وعزَّةُ ممطولٌ معنًّى غريمُها
إذا سمتُ نفسي هجرَها واجتنابَها ... رأتْ غمراتِ الموتِ فيما أسُومُها
إذا بنتِ بانَ العُرفُ إلاَّ أقلَّهُ ... منَ النَّاسِ واستعلى الحياةَ ذميمُها
وتخلِقُ أثوابَ الصِّبا وتنكَّرَتْ ... نواحٍ من المعروفِ كانتْ تقيمُها
فهل تجزينِّي عزَّةُ القرضَ بالهوى ... ثواباً لنفسٍ قد أصيبَ صميمُها
بأنّي لم تبلغْ لها ذا قرابةٍ ... أذاتي ولم أقررْ لواشٍ يذيمُها
متى ما تنالا بي الأولى يقصِبُونها ... إليَّ ولا يشْتَمْ لديَّ حميمُها
وقدْ علمتْ بالغيبِ أنْ لن أودَّها ... إذا هي لم يكرَمْ عليَّ كريمها
فإنْ وصلتْنا أمُّ عمروٍ فإنَّنا ... سنقبَلُ مِنها الودَّ أو لا نَلومُها
فلا تزجُرِ الغاوينَ عنْ تبعَ الصِّبا ... وأنتَ غويُّ النَّفسِ قدْماً سقيمُها
بعزَّةَ متبولٌ إذا هي فارقتْ ... معنىً بأسبابِ الهوى ما يريمُها
ولمَّا رأيتُ النَّفسَ نفساً مصابةً ... تداعَى عليها بنُّها وهمومُها
عزمتُ عليها أمرهَا فصرَمتُهُ ... وخيرُ بديعاتِ الأمورِ عزيمُها
وما جابَهُ المدرَى خذولٌ خلالَها ... أراكٌ بذي الرّيان دانٍ صريمها
بأحسنَ منها سنّةً ومقلّداً ... إذا ما بدتْ لبّاتُها ونظيمُها