وتفرُقُ بالمدرَى أثيثاً نباتُهُ ... كجنَّةِ غربيبٍ تدلَّتْ كرومُها
إذا ضحكتْ لم تنتهزْ وتبسّمتْ ... ثنايا لها كالمزْنِ غرٌّ ظلومُها
كأنَّ على أنيابها بعدَ رقدَةٍ ... إذا انتبهتْ وهناً لمنْ يستنيمُها
مجاجةُ نحلٍ في أباريق صفقةٍ ... بصهباءَ يجريَ في العظامِ هميمُها
ركودُ الحميّا وردةُ اللّونِ شابَها ... بماءِ الغوادِي غيرَ رنقٍ مديمُها
فإنْ تصدُفي يا عزَّ عنِّي وتصرمِي ... ولا تقبلِي منّي خلالاً أسُومُها
فقدْ أقطعُ الموماةَ يستنُّ آلُها ... بها جيفُ الحسرَى يلوحُ هشيمُها
على ظهرِ حرجوجٍ يقطّع بالفتى ... نعافَ الفيافي سبتُها ورسِيمها
وقدْ أزجرُ العوجاءَ أنقبَ خُفٌّها ... مناسِمُها لا يستبلُّ رثيمُها
وقد غيبتْ سمراً كأنَّ حروفَها ... مواثمُ مرضاخٍ يطيرُ جريمُها
وليلةِ إيجافٍ بأرضِ مخوفةٍ ... تقتنِي بجوناتِ الظّلامِ جهومُها
فبتُّ أساري ليلَها وضريبَها ... على ظهرِ حرجوجٍ نبيلٍ حزيمُها
تواهقُ أطلاحاً كأنَّ عيونَها ... وقيعٌ تعادتْ عن نطافٍ هزُومِها
أضَرَّ بها الإدلاجُ حتّى كأنَّها ... من الأينِ خرصانٌ نحاها مقيمُها
تنازعُ أشرافَ الإكامِ مطيّتي ... من اللّيلِ سيجاناً شديداً فحومُها
بمشرفةِ الأجداثِ خاشعةِ الصّوَى ... تداعَى إذا أمسَتْ صداها وبومُها
إذا استقبلتْها الرّيحُ حالَ رغامُها ... وحالفَ جولانَ السَّرابِ أرُومُها
يمشّي بحزّانِ الإكامِ والرُّبا ... كمستكبرٍ ذي موزجينِ ظليمُها
رأيتُ بها العوجَ اللَّهاميمَ تغتلِي ... وقدْ صقلتْ صقلاً وتلّتْ جسومُها
تراكلُ الأكوارِ في كلِّ صيهَبٍ ... منَ الحرِّ أثباجاً قليلاً لحومُها
ولو تسألينَ الرَّكبَ في كلِّ سربخٍ ... إذا العيسُ لم ينبسْ بليلٍ بغومُها
من الحجرة القصوَى وراءَ رحالِها ... إذا الأسدُ بالأكوارِ طافَ رزومُها
وجرَّبتُ إخوانَ الصَّفاءِ فمنهُمُ ... حيمدُ الوصالِ عندنا وذميمُها
وأعلمُ أنّي لن أسربلَ جنّةً ... منَ الموتِ معقوداً عليَّ تميمُها
ومن يبتدع ما ليسَ من سوسِ نفسِهِ ... يدعهُ وبغلبهُ على النَّفسِ خيمُها
وقال كثير أيضاً:
أشاقكَ برقٌ آخرَ اللّيلَ واصبُ ... تضمّنَهُ فرشُ الجبا فالمشاربُ
يجرُّ ويستأنِي نشاصاً كأنّهُ ... بغيقة حادٍ جلجلَ الصّوتَ جالبُ
تألّقَ واحمومَي وخيّمَ بالرُّيا ... أحمُّ الذُّرَى ذو هيدبٍ متراكبُ
إذا حرَّكتهُ الرِّيحُ أرزمَ جانبٌ ... بلا هرقٍ منهُ وأومضَ جانبُ
كما أومضتْ بالعينِ ثمَّ تبسَّمَتْ ... خريعٌ بدا منها جبينٌ وحاجبُ
يمجُّ النّدى لا يذكُرُ السّيرَ أهلَهُ ... ولا يرجعُ الماشِي بهِ وهوَ جادِبُ
وهبتُ لسُعدَى ماءَهُ ونباتَهُ ... وما كلَّ ودٍّ لمنْ ودَّ واهبُ
لتروى بهِ سعدَى ويروَى محلُّها ... وتغدقَ أعدادٌ بهِ ومشارِبُ
تذكّرتُ سعدَى والمطِيُّ كأنَّهُ ... بآكامِ ذي ريطٍ غطاطٌ قواربُ
فقدْ فتنَ ملْتجّاً كأنَّ نشيجهُ ... سعالُ جوٍ أعيتْ عليهِ الطَّبائبُ
فقلتُ ولم أملكْ سوابقَ عبرَةٍ ... سقى أهلَ بيسانَ الدُّجونُ الهواضبُ
وإنّي ولو صاحَ الوشاةُ وطرَّبوا ... لمتَّخذٌ سعدى شباباً فناسبُ
يقولونَ أجمعْ من عزيزةَ سلوةً ... وكيفَ وهل يسلُو اللّجوجُ المطالِبُ
أعزُّ أجدَّ الرَّكبُ أنْ يتزحزحوا ... ولم يعتبِ الزّاري عليك المعاتبُ
فأحيي هداكِ اللهُ منْ قدْ قتلتهِ ... وعاصِي كما يعصَى لديهِ الأقاربُ
وإن طلابي عانساً أمَّ ولدَةٍ ... لممّا تمنّيني النُّفوسُ الكواذبُ
ألا ليتَ شعرِي هلْ تغيّرَ بعدَنا ... أراكٌ فصرْما قادمِ فتناضبُ
فبرقُ الجبا أمْ لا فهنَّ كعهدنا ... تنزَّى على آرامِهنَّ الثَّعالِبُ
تقي اللهَ فيه أمَّ عمروٍ ونوّلي ... مودّتهُ لا يطلبنّكِ طالبُ
فمن لا يغمّض عينهُ عن صديقه ... وعن بعضِ ما فيه يمتْ وهوَ عاتبُ