نوىً شطنتهم عن هوانا وهيجت ... لنا طرباً إنَّ الطروبَ يهيجُ
فلم تذرفِ العينانِ حتى تحملت ... معَ الصبحِ أحفاضٌ لهم وحدوجُ
وحتى رأيتُ الحيَّ تسفي ديارهم ... مزعزعةٌ جنحَ الظلامِ دروجُ
فأصبحَ مسرورٌ ببينكَ معجبٌ ... وباكٍ لهُ عندَ الديارِ نشيجُ
فإن تكُ هندٌ جنةً حيلَ دونها ... فقد يعزفُ اليأسَ الفتى فيعيجُ
إذا احتلتِ الرنقاءَ هندٌ مقيمةً ... وقد حالَ دوني من دمشقَ بروجُ
وبدلتُ أرضَ الشيح منها وبدلت ... تلاعَ المطالي سخبرٌ ووشيجُ
فلا وصلَ إلاَّ أن تقربَ بيننا ... قلايصُ يخدينَ المثانيَ عوجُ
ومخلفةٌ أنيابها جدليةٌ ... تشدُّ حشاها نسعةٌ ونسيجُ
لها ربذاتٌ بالنجاءِ كأنها ... دعائمُ أرزٍ بينهنَّ فروجُ
إذا هبطت أرضاً عزازاً تحاملت ... مناسمُ منها راعفٌ وشجيجُ
ومغبرةِ الآفاقِ يجري سرابها ... على أكمها قبلَ الضحى فيموجُ
قطعتُ إذا الأرطى ارتدى في ظلالهِ ... جوازئُ يرعينَ الفلاةَ دموجُ
لعمرو ابنةِ المريِّ ما أنا بالذي ... لهُ أن تنوبَ النابياتُ ضجيجُ
وقد علمت أمُّ الصبيينِ أنني ... إلى الضيفِ قوامُ السناتِ خروجُ
وإني لأغلي اللحم نيأً وإنني ... لممن يهينُ اللحمَ وهو نضيجُ
إذا المرضعُ العوجاءُ بالليلِ عزها ... على ثديها ذو ودعتينِ لهوجُ
إذا ما ابتغى الأضيافُ من يبذلُ القرى ... قرت لي مقلاتُ الشتاءِ خدوجُ
جماليةٌ بالسيفِ من عظمِ ساقها ... دمٌ جاسدٌ لم أجلهُ وسحوجُ
كأنَّ رحالَ الميسِ في كلِّ موقفٍ ... عليها بأجوازِ الفلاةِ سروجُ
وقال عوف بن الأحوص الكعبي، وهي مفضلية قرأتها على شيخي ابن الخشاب:
هدمتِ الحياضُ فلم يغادر ... لحوضٍ من نصابيهِ إزاءُ
لخولةَ إذ همُ مغنىً لأهلي ... وأهلكِ ساكنونَ معاً رياءُ
فلأياً ما تليقُ رسوم دارٍ ... وما أبقى منَ الحطبِ الصلاءُ
وإني والذي حجت قريشٌ ... محارمهُ وما جمعت حراءُ
وشهرِ بني أميةَ والهدايا ... إذا حبست مضرجها الدماءُ
أذمكَ ما ترقرقَ ماءُ عيني ... عليَّ إذن من اللهِ العفاءُ
أقرُّ بحبكم ما دمتُ حياً ... وألزمهُ وإن بلغَ الفناءُ
ولا تتعوجوا في الحلمِ عمداً ... كما يتعوجُ العودُ السراءُ
ولا أفتي لكم من دونِ حقٍّ ... فأبطلهُ كما بطلَ الحجاءُ
فإني والحكومةَ يا ابنَ كلبٍ ... عليَّ وإن تكفنني سواءُ
خذوا دأباً بما أثايتُ فيكم ... فليسَ لكم على دأبٍ علاءُ
وليسَ لسوقةٍ فضلٌ علينا ... وفي أشياعكم لكمُ بواءُ
فهل لكَ في بني حجرِ بن عمرو ... فتعلمهُ وأجهلهُ ولاءُ
أو العنقاءِ ثعلبةَ بن عمرو ... دواءُ القومِ للكلبى شفاءُ
وما إن خلتكم من آلِ نصرٍ ... ملوكاً والملوكُ لهم غلاءُ
ولكن نلتَ مجدَ أبٍ وخالٍ ... وكانَ إليهما ينمي العلاءُ
أبوكَ بجيدٌ والمرءُ كعبٌ ... فلم تظلم بأخذك ما تشاءُ
ولكن معشرٌ من جذمِ قيسٍ ... عقولهمُ الأباعرُ والرعاءُ
وقد شجيت أنِ استمسكتُ منها ... كما يشجى بمسعرهِ الشواءُ
قتاةُ مذربٍ أكرهتُ فيها ... شراعياً مقالمهُ ظماءُ
وقال أيضاً وهي مفضلية وقرأتها على شيخي ابن الخشاب:
ومستنبحٍ يخشى القواءَ ودونهُ ... من الليلِ بابا ظلمةٍ وستورها
رفعتُ لهُ ناري فلما اهتدى لها ... زجرتُ كلابي أن يهرَّ عقورها
فلا تسأليني وأسألي ما خليقتي ... إذا ردَّ عافي القدرِ من يستعيرها
وكانوا قعوداً حولها يرقبونها ... وكانت فتاةُ الحيِّ ممن ينيرها
ترى أنَّ قدري لا تزالُ كأنها ... لذي القرةِ المقرورِ أمٌّ يزورها
مبرزةً لا يجعلُ السترُ دونها ... إذا أخمدَ النيرانُ لاحَ بشيرها
إذا الشولُ راحت ثمَّ لم تفدِ لحمها ... بألبانها ذاقَ السنانَ عقيرها
وإني لتراكُ الضغينةِ قد بدا ... ثراها من المولى فما استثيرها