وما توهمُ من سفعٍ بمنزلةٍ ... حالفنَ ملتبداً يعرى وينسحقُ

تعيرهُ الريحُ طوراً ثمَّ ترجعهُ ... كما استعيرَ رداءُ اليمنةِ الخلقُ

وقد يكونُ الجميعُ الصالحونَ بها ... حتى إذا اصفرَّ بعدَ الخضرة الورقُ

شقَّ العصا بينهم من غيرِ نائرةٍ ... مستجذبٌ لم يغطهُ خافضٌ أنقُ

كأنَّ فصحَ النصارى كان موعدهم ... هذا مقيمٌ وهذا ظاعنٌ قلقُ

يا أمَّ حربٍ برى جسمي وشييبني ... مرُّ الخطوبِ التي تبري وتعترقُ

ونامَ صحبي واحتمت لعادتها ... بالكوفةِ العينُ حتى طالَ ذا الأرقُ

أرعى الثريا تقودُ التالياتِ معاً ... كما تتابعَ خلفَ الموكبِ الرفقُ

معارضاتٍ سهيلاً وهو معترضٌ ... كأنهُ شاةُ رملٍ مفردٍ لهقُ

قلبي ثلاثةُ أثلاثٍ لباديةٍ ... وحاضرٍ وأسيرٍ دونهُ غلقُ

لكلهم من فؤادي شعبةٌ قسمت ... فشفني الهمُّ والأحزانُ والشفقُ

إن يجمعِ اللهُ شعباً بعدَ فرقتهِ ... فقد تريعُ إلى مقدارها الفرقُ

وإن يخنا زمانٌ لا نعاتبهُ ... فقد أرانا وما في عظمنا رققُ

يخشى العدوَّ ولا يرجو ظلامتنا ... إذا تفرعَ حكمُ المجلسِ الرهقُ

ونكرمُ الضيفَ يغشانا بمنزلةٍ ... تحتَ الجليدِ إذا ما استنشقَ المرقُ

نبيتُ نلحفهُ طوراً ونغبقهُ ... شحمَ القرى وقراحُ الماءِ يغتبقُ

إذ هيجت قزعاً تحدوهُ نافجةٌ ... كأنما الغيمُ في صرادها الخرقُ

وقد علمتُ وإن خفَّ الذي بيدي ... إنَّ السماحةَ مني والندى خلقُ

ولا يؤنبُ أضيافي إذا نزلوا ... ولا يكونُ خليلي الفاحشُ النزقُ

ولو شهدتِ مقامي بالحسامِ على ... رأسِ المسناةِ حيثُ استبتِ الفرقُ

إذن لسركَ إقدامي محافظةً ... بالسيفِ صلتاً وداجي الليلِ مطرقُ

إذ قلتُ للنفسِ عودي بعدَ ما جشأت ... وما ازدهاني بذاكَ الموطنِ الفرقُ

وما استكنتَ إلى ما كانَ من ألمٍ ... وقد يهونُ ضربَ الأذرعِ الحنقُ

حتى انجلى الروعُ في ظلماءَ داجيةٍ ... ما كادَ آخرها للصبحِ ينفرقُ

وقال الشمردل أيضاً:

أأنكرتَ أطلالَ الرسومِ وقد ترى ... بها غانياتٌ دلهنَّ وثيقُ

يقارفننا بالودِّ نحفي فريقهُ ... ومنهُ بأظلالِ الأراكِ فريقُ

وما أنصفت ذلفاءُ أما دنوها ... فهجرٌ وأما نأيها فيشوقُ

تباعدُ ممن واصلت وكأنها ... لآخرَ ممن لا تودُّ صديقُ

لقد علمَ المستودعُ السرَّ أنني ... ستورٌ لهُ صدري عليهِ شفيقُ

وأني امرؤٌ تعتادني أريحيةٌ ... بمالي إن حلت عليهِ حقوقُ

إذا العزبُ اجتابَ الدخانَ وأصبحت ... بليلاً وأمسى الغيمُ وهو رقيقُ

فإن أنجحَ الواشي وأصبحَ بيننا ... وبينكِ مغبرُّ الفجاجِ معيقُ

فجادكِ وسميٌّ كأنَّ ربابهُ ... قطارُ عباديٍّ عليهِ وسوقُ

هزيمٌ إذا حلت عزاليهُ الصبا ... يرى لبناتِ الماءِ فيهِ نغيقُ

وظلمةِ ليلٍ دونَ ذلفاءَ قستها ... إذا لم يكن للطلمساءِ فتوقُ

بأعيسَ من حرِّ المهارى يزينهُ ... نجارٌ كلونِ الأخدريِّ عتيقُ

لقوداءَ شملالِ السرى قاعَ فوقها ... بهِ من قرومِ الناعجاتِ فنيقُ

ترى الصلبَ منهُ والضلوعَ كأنها ... سقائفُ ساجٍ سمرهنَّ وثيقُ

لدى شعشعانٍ في الزمامِ يقودهُ ... خريعٌ كسبتِ الموسميِّ خفوقُ

يرنُّ الحصى من وقعهِ ثم ترتمي ... بهِ يسراتٌ رجعهنَّ رشيقُ

تقاذفَ قرقورِ الصراري أجملت ... بهِ نيرجٌ تحدو الجهامَ خريقُ

مللتُ لهُ طولَ الثواءِ وقد ثوى ... ثلاثَ ليالٍ في الوثاقِ يتوقُ

يردُّ الجبينُ بالجرانِ كأنهُ ... إذا قامَ جذعٌ من أوالَ سحوقُ

ونادى منادٍ بالأذانِ وقد غدا ... برحلي موارُ اليدين خليقُ

فما ذرَّ قرنُ الشمسِ حتى ارتمت بهِ ... منَ القورِ بينَ المكرعاتِ طريقُ

شبيب بن البرصاء

وقال شبيب بن البرصاء المري، وهي مفضلية قرأتها حفظاً على شيخي أبي محمد بن أحمد بن الخشاب:

ألم ترَ أنَّ الحيَّ فرقَ بينهم ... نوىً يوم صحراءِ الغميمِ لجوجُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015