وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عوف، حدثنا أسامة بن زهير عن أبي موسى، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك" "رواه أبو داود والترمذي"1.

كان هذا بالنسبة لآدم عليه السلام، أما بالنسبة لذريته فإن الروح تخلق لكل جنين بعد أن يتم تخليق النطفة في الرحم: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 12-16] .

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} أي: ثم نفخنا فيه الروح فتحرك، وصار خلقا آخر ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} . ويقال: إن نفخ الروح في النطفة إنما يكون بعد أربعة أشهر. قال الإمام أحمد في مسنده، إنه روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن أحدكم ليجمع خلقه "نطفة" في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح" إلى آخر الحديث الذي أخرجه الشيخان.

ففي الإسلام إذن، الإنسان كائن مخلوق لله خلقا مستقلا متميزا متفردا، وهو أكرم خلق الله على الله، وقد نوه الله بذلك، حين جعل الإنسان خليفته في الأرض: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] ، لكن الإنسان في معظم الدراسات النفسية في الغرب ليس هو المخلوق من الله، بل هو الحيوان المتطور عن الطبيعة التي هي أصل الأشياء وسبب وجودها، وهذا ما تدعيه نظرية التطور التي لا تعدو -كما يقول الدكتور محمد رشاد خليل- "أن تكون أسطورة يونانية قديمة قال بها الطبعيون اليونان، وأحياها ملاحدة التطوريين الطبعيين حديثا، وزيفوا لها الأدلة، أو لووا أعناق بعض النتائج التي أسفرت عنها البحوث الطبعية والحيوية"2.

إذن فالإنسان هنا ليس مخلوقا لله، مكونا من جسد وروح كما هو الشأن في الإسلام، وإنما مرده إلى وحدة الأصل الحيواني للإنسان، فوحدة الإنسان في علم النفس الحديث ترجع إلى كون الإنسان قد جاء نتيجة تطور الأحياء من الطبيعة، وهنا يتصادم الإسلام مرة أخرى مع الفلسفات التي تقوم عليها مدارس على النفس الحديثة فيما يتصل بمفهوم الإنسان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015