والفطرة في المفهوم الإسلامي هي خلق الله الإنسان على الإسلام، أي: شاهدا بعبوديته لله، ومقرا بربوبيته، ومزودا بالاستعدادا والطاقات الظاهرة والكامنة التي تمكنه من إصابة الحكم، والتمييز بين الحق والباطل وفقا لمعايير منهج الله.
أما مفهوم الطبيعة، ففي القاموس: طبع الشيء طبعا، وطباعة، أي: صاغه في صورة ما، ويقال: طبع الله الخلق1، أي: أنشأه. والطبيعة الإنسانية، أي: السجية، ومزاج الإنسان المركب من الأخلاط، والقوة والسارية في الأجسام التي يصل بها الجسم إلى كماله الطبعي الذي هيأه الله له، فالطبيعة الإنسانية بهذا المعنى هي مجموعة الخصال والسجايا التي خلق الله الناس وفطرهم عليها، سواء كان ذلك من خلق الله للإنسان في البداية، أو بتهيئة الإنسان كي يقوم بذلك في نفسه، أو من خلال البيئة والأشياء المحيطة به.
أما الطبيعة في المصطلح الغربي الذي قامت عليه مدارس علم النفس هناك، فهي الأشياء المادية المحسوسة حولنا من جماد وحيوان ونبات، ففي الاصطلاح اليوناني: "الفيزيقا" هي الطبيعة. و"الميتافيزيقا" ما وراء الطبيعة، أي: الأمور الغيبية وغير المحسوسة.
وكما يقول الدكتور محمد رشاد خليل: فقد أخذت الطبيعة معاني فلسفية لدى فلاسفة الإغريق، وأصبحت هي الأساس في الفكر الغربي الحديث.
فالطبيعة هو الجوهر المادي الأول الذي تصنع منه الأشياء، وهذا الجوهر المادي هو أصل الوجود، والعلة الأولى في وجود هذا الكون، وهي عند أفلاطون المثال، وعلة الوجود، والنفس الكلية، وعند أرسطو هي أصل الأشياء، ومصدر الحركة، والمادة التي تصنع منها الأشياء.
وقد استخدمت الفلسفات الغربية مفهوم الطبيعة، بهذا المعنى الإغريقي القديم، فالطبيعيون والمثاليون والواقعيون والدارونيون يرون "الطبيعة هي الأشياء، وهي القانون الطبيعي الذي يعمل في الأشياء، والطبيعة هل أصل الأشياء"2.
إذن فالطبيعة في الفلسفات الغربية ومدارس علم النفس القائمة عليها ليست من خلق الله، بل هي خالقة الكون وسبب وجوده الأول، وبذلك يتصادم مفهوم الطبيعة في هذه المدارس مع مفهوم الطبيعة في الإسلام.
مكونات الإنسان:
لقد بين القرآن أن الله خلق الإنسان من طين الأرض، ثم نفخ فيه من روحه ومن الطين تكون جسد الإنسان: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71، 72] .