فشعور الإنسان بوجود الله خالقه، هو قانون من قوانين وجوده الروحي، وضرورة من ضروراته التي لا يستطيع أن يتخلى عنها، فحاجة الإنسان إلى الإيمان بالله كحاجته إلى التنفس، وإلى الطعام والشراب، والراحة، فإذا كانت حاجاته هذه قانونا من قوانين وجوده المادي، فإن إيمانه بالله الخالق، الرحمن، الرحيم، هو قانون من قوانين وجوده الروحي، وضرورة من ضروراته.
إذنن فشعور الإنسان بوجود الله فطرة، في الطبيعة الإنسانية: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30] .
فالإيمان بالله، والشعور بوجود الله، فطرة مستكنة في الطبيعة الإنسانية، أصلها الروح التي هي جزء في كل تكوينه، وهي شيء من روح الله.
ولذلك لا غرابة أن نجد الإنسان يلجأ إلى الله حين ييأس من كل الأسباب الظاهرة، حين يمسه الضر، وحين ييأس من حوله وقوته، ومن حول الناس وقوتهم، فهذا اللجوء هو هتاف تهتف به الفطرة الإنسانية من جوانب نفسه.. أن يلجأ إلى الله: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 67] .
{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس: 22] .
ضرورة دراسة الفطرة الإنسانية:
إن التقدم العلمي الهائل في علوم الطبيعة والكيمياء والفلك وعلوم الجماد عموما يتسم بعدة أمور، أهمها ما يلي:
أنه لا يتبع أية خطة معينة، إنه يتطور دون إدراك للنتائج المترتبة عليه إنسانيا.
أنه لا يتحرك تبعا للرغبة في تحسين أحوال البشر.
أنه لا تحكمه قيم من خارجه.
إن هذا التقدم العلمي الهائل في علوم الجماد قد تزامن مع تقدم علمي بطيء، لم يكد يتعدى كثيرا حد الجهل في دراسة علوم الإنسان والطبيعة الإنسانية، أو العلوم الحيوية عموما، وقد تمخض هذا عن حضارة إنسانية معاصرة، زودت الناس بكل وسائل الحياة الحديثة، لكنها أهدرت -في نفس الوقت- القيم الخلقية، وأخفقت في النهوض، بالمستويات الروحية والأدبية والعقلية لعامة الناس وخاصتهم.