فكيف أمكن الحصول على هذه النتيجة المتناقضة؟

إن الإجابة البسيطة عن هذا السؤال تجيء على لسان أحد علماء هذه الحضارة والمشاركين في صنعها، هو "ألكسيس كاريل" حيث يقول: "إن الحضارة الحديثة تجد نفسها في موقف صعب؛ لأنها لا تلائمنا، فقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا الحقيقة؛ إذ إنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية، وشهوات الناس، وأوهامهم، ونظرياتهم ورغباتهم، وعلى الرغم من أنها أنشئت بمجهوداتنا إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشلكنا".

لقد أدى تطبيق الاكتشافات العلمية إلى تغير العوالم المادية والعقلية بصورة هائلة، لكن التأثير التعس لهذه التغيرات إنما هو نتيجة لأنها نمت وتطورت دون أدنى تفكير في فطرتنا.

"لقد أهمل تأثير المصنع على الحياة الفسيولوجية والعقلية للعمال إهمالا تاما عند تنظيم الحياة الصناعية، إذ إن الصناعة العصرية تنهض على مبدأ: "الحد الأقصى من الإنتاج بأقل التكاليف"، حتى يستطيع فرد أو مجموعة من الأفراد أن يحصلوا على أكبر مبلغ مستطاع من المال، وقد اتسع نطاقها دون أي تفكير في طبيعة البشر الذين يديرون الآلات، ودون اعتبار للتأثيرات التي تحدثها طريقة الحياة الصناعية التي يفرضها المصنع على الأفراد وأحفادهم.."1.

وتشكل التقانات الحديثة من مجالات نقل واستزراع الأنسجة والأعضاء البيولوجية، وتلقيح البويضات في الأنانيب، أو زرع الأجنة بالأرحام، والتلقيح الصناعي، والعلاج الجيني، وتجارب اختبار فاعلية العقاير المستحدثة وغيرها، آفاقا جديدة لدعم صحة الإنسان ومقومات استمرارية حياته على الأرض، إلا أنه تجدر الإشارة إلى ما ينطوي على العبث بالمجين البشري، وطمس معالم تأصيل الأنساب من تهديد خطير للجنس البشري، ومعالمه الأسرية، كما تجدر الإشارة إلى بعض الممارسات الطبية الدوائية التي تتعارض مع الأسس الأخلاقية للمهن الطبية التي يجدر الالتزام بها، الأمر الذي تترب عليه مشكلات أخلاقية خطيرة وافتئات على قوانين الفطرة، الأمر الذي أدى إلى إثارة الجدل حول مدى أحقية الطبيب في الإنهاء العمري لحياة المرضى اليائسين من الشفاء بعد الحصول على الموافقة منهم أو من ذويهم، وحول مفهوم الموت! أهو توقف جذع المخ والغيبوبة الطويلة، أم توقف نبض القلب..؟! 2.

إن الإنسان يجب أن تعلو قيمته على كل شيء، كما يجب أن يكون مقياسا لكل شيء، لكن الواقع عكس ذلك، فهو غريب في العالم الذي ابتدعه؛ لأنه لم يستطع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015