والعقل الإنساني هو مناط التكليف، وهو شرف الإنسان وامتيازه، وقدرة الإنسان على التفكير والاختيار، هي التي أهلته لهذا الاستخلاف، ولحمل مسئولية تنفيذ منهج الله في الأرض، فالعقل هو مناط التكليف والمسئولية.
الحرية فطرة:
والعقيدة هي رابطة التجمع الإنساني الرئيسية، وليس الجنس، ولا القوم، ولا اللغة، ولا الأرض، ولا اللون، ولا الطبقة الاجتماعية أو المصالح السياسية أو الاقتصادية؛ ذلك لأن العقيدة مرتبطة بحرية الإنسان واختياره وإرادته، أما روابط القوم، والأرض أو اللحم، والدم، والطين، فلا إرادة للإنسان فيها، فالإنسان ليس حرا في اختيار بلده أو أهله وقومه، ولكنه حر تماما في اختيار عقيدته وفكرته ومنهجه.
والإنسان حر لأنه مسئول، فالحرية والمسئولية وجهان لعملة واحدة، فالحرية تستلزم المسئولية، والمسئولية تستلزم الحرية.
وحرية الإنسان ليست حقا من حقوقه، يمكن أن يمنح له أو يمنع عنه، وإنما هي فطرة في طبيعته، وجزء من إنسانيته، بها يصير إنسانا مسئولا، وبدونها يهبط إلى درجات أدنى بكثير من الحيوان، فهو حر حتى في العقيدة التي يؤمن بها: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] ، {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21] ، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18] .
وقد عبر سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن فطرة الحرية في الطبيعة الإنسانية، عندما قال: "متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار؟! ".
إن الحرية من أثمن ما جاء به الإسلام، فالتوحيد قرين التحرير، وشهادة "لا إله إلا الله" إعلان عن ميلاد الإنسان الحر في هذا الكون الذي يسجد لله وحده، ويخشى الله وحده، ومن هذا المنطلق فإن الاستبداد يصبح قرين الشرك، لأنه يحيل الناس عبيدا لآلهة من البشر، ويدفعهم إلى السجود لغير الله!
الشعور بألوهية الله شعور فطري:
وشعور الإنسان بألوهية الله، وبوجود الله الواحد الأحد هو شعور فطري مستقر في أساس تكوينه، فالإنسان في تكوينه نفخة من روح الله، وعلاقته بخالقه هي علاقة المخلوق بخالقه الرحمن الرحيم، وهي علاقة لا يستطيع أي مخلوق دفعها، أو الحياد عنها1.