للاستلاب الثقافي والحضاري، بل إننا نهيئهم للخروج على منهجنا ونظامنا الاجتماعي الذي جاءوا أصلا لحمايته وتطويره وترقيته.

واللغة نظام دقيق يتطلب الكثير من المعارف والمهارات، فعملية الاتصال بين المتكلم والمستمع أو الكاتب والقارئ تمر بعدة خطوات في غاية الدقة، وهي على النحو التالي: فالمتكلم أو الكاتب لا بد أن تكون لديه فكرة يريد التعبير عنها؛ ثم يختار لها الرموز أي الكلمات المناسبة للتعبير عن الفكرة، ثم يضع هذه الكلمات في نظام معين للجمل والعبارات والفقرات، ثم ينطق المتكلم أو يكتب الكاتب الأفكار التي لديه مراعيا حسن الإلقاء أو قواعد الكتابة الصحيحة، ومراعيا أيضا في كل ما سبق نوع المستمع أو القارئ ومستواه العمري والثقافي، وعنئذ تنتقل الفكرة أو الرسالة إلى المستمع أو القارئ؛ فيتعرف المستمع على الرموز "الكلمات" المسموعة، ويتعرف القارئ على الرموز المكتوبة، ثم يترجمان الرموز إلى معان يظنان أنها المقصودة، ثم يقومان بفهم هذه المعاني وتحليلها وتفسيرها ونقدها وتقويمها. وعندئذ يمكن أن نقول: إن الفكرة قد وصلت من المتكلم إلى المستمع أو من الكاتب إلى القارئ.

ومن الجدير بالقول هنا أن كل خطوة من خطوات عملية الاتصال السابقة تحتاج إلى تعليم وتدريب بطريقة مباشرة وغير مباشرة في الأسرة، ومن خلال المناهج المدرسية، فاختيار الكلمات للتعبير عن الأفكار -مثلا- من أدق المهارات التي يمكن أن يدرب عليها الأبناء بواسطة الآباء في المنزل، ويدرب المدرس تلاميذه عليها من خلال مناهج القراءة والأدب والتعبير وغيرها في المدرسة.

وكل ما سبق يصدق على اللغة العربية وعلى غيرها من اللغات، لكن اللغة العربية لغة غنية ودقيقة إلى حد كبير، فقد استوعبت التراثين العربي والإسلامي، كما استوعبت ما نقل إليها من تراث الأمم والشعوب ذات الحضارات القديمة كالفارسية واليونانية والرومانية والمصرية.. إلخ، كما نقلت إلى البشرية في فترة ما أسس الحضارة وعوامل التقدم في العلوم الطبيعية والرياضيات والطب والفلك والموسيقى، وما تزال تنقل إلى العالم اليوم أصول العقيدة العالمية الشاملة ممثلة في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم. فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، وهذه حقائق يجب ترسيخها في عقول الناشئة، كما ينبغي أن تكون أهدافا ثابتة لعلوم اللغة والأدب والفنون خاصة، والعلوم الإنسانية والاجتماعية عامة.

وهي لغة موسيقية شاعرة، فإذا تكلم ذو بيان، فإنك تطرب لسماعها، وتفهم بيانها، وترتاح لمعانيها وأصواتها، وهي بهذا الجرس والرنين منحت العربي التفوق في الأداء كلاما وكتابة، وغناء وشعرا على وزن وقافية، لذلك يجب التركيز في مناهج تعلمها على تدريب المتعلم على التذوق الأدبي والفني، وعلى الإحساس بالجمال في الأداء اللغوي، وعلى حسن الإلقاء.

وهي لغة متميزة من الناحية الصوتية؛ فقد اشتملت على جميع الأصوات في اللغات السامية، وأصواتها تستغرق كل جهاز النطق عند الإنسان، ابتداء بما بين الشفتين في نطق حروف كالباء والميم والفاء، وانتهاء بجوف الناطق في حروف كالألف والواو والياء، لذلك فإن تدريب الأبناء على إخراج الحروف من مخارجها، ونطق الأصوات بطريقة سليمة يعتبر من أهم أهداف مناهج تعليم اللغة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015