ما المقصود باللغة؟ وما العلاقة العربية ومناهج التربية؟
اللغة نظام صوتي رمزي دلالي، تستخدمه الجماعة في التفكير والتعبير والاتصال. لقد درجنا على سماع أن اللغة وسيلة للتعبير أو أن اللغة وعاء ثقافي.. إلخ. وهذه كلها تعبيرات غير دقيقة.
فاللغة ليست مجرد وسيلة للتفكير والتعبير والاتصال، وإنما هي منهج ونظام للتفكير والتعبير والاتصال. وهي ليست مجرد شكل لموضوع، أو مجرد وعاء خارجي لفكرة، أو لعاطفة، أو لقيمة.. إنها علاقة دالة داخل الكلمة المفردة، أو بينها وبين غيرها من الكلمات بما يشكل نظاما ونسقا خاصا له قوانينه الداخلية الخاصة. وهذا هو السر في أن أهل كل لغة يهتمون بدرجات متفاوتة في تعليم الناشئة قواعد لغتهم أي: نظامها الرمزي والصوتي والدلالي.
واللغة سمة إنسانية لجنسنا البشري. فهي منهج ونظام، وهي خاصية إنسانية بدليل أنك لو أتيت بثلاثة أشخاص: مثقف عربي، ومثقف فرنسي، ومثقف إنجليزي، وقارنت بين طريقة كل منهم في التفكير والتعبير والاتصال لوجدت أنهم يمثلون مناهج ثلاثة في التفكير والتعبير والاتصال اللغوي حتى لو كان الثلاثة مسلمين أو غير مسلمين. وهذا هو السبب الحقيقي في حرصنا على الاهتمام بتطوير مناهج تعليم اللغة العربية، وتعليم كل المواد بها، وإعادة تعريب الطب والعلوم في المستوى العالي والجامعي، وهذا هو السر أيضا وراء إصرار بلاد الاستعمار القديم والحديث على فرض لغاتها في البلاد المستعمرة؛ لأن في ذلك فرضا غير مباشر لنظمها ومناهجها الثقافية والحضارية والاجتماعية، وتيسيرا للهيمنة على هذه المستعمرات من بعد.
إذن فاللغة منهج للتفكير ونظام للتعبير والاتصال. إن اللغة لا تعبر فقط عن الأفكار، بل تشكل الأفكار، فالتفكير ليس إلا لغة صامتة، فاللغة تولد الفكر، والأفكار تولد مكسوة لا عارية. لذلك فنحن عندما نعلم أبناءنا منذ الصغر بلغة غير العربية فإننا بذلك ننقلهم رويدا رويدا وبالتدريج إلى منهج غير منهجنا وإلى عقيدة غير عقيدتنا وإلى تصور للكون والإنسان والحياة غير تصورنا ... إنا بذلك نجعلهم قابلين