فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] . إن من الأمور الواردة أن تتقاتل طائفتان من المؤمنين، وأن تبغي إحداهما على الأخرى، لكن الكارثة تحل لا محالة إذا غابت الطائفة الثالثة المؤمنة القادرة على إيقاف الباغي، ووضع الحق في نصابه.

وهكذا تتفق وحدة الشخصية الإنسانية، ووحدة تكامل الخبرة الإنسانية في منهج التربية مع الأصل في الإسلام، وهو أنه دين التوحيد ودين الوحدة والتكامل بين القوى الكونية جميعا.

الخاصية السادسة: أن منهج التربية هو منهج تربية "الإنسان"، الإنسان الصالح الذي يستطيع أن يعيش في كل مكان. وليس فقط "المواطن" المحصور في حدود المواطنة الضيقة، وتربية الإنسان ليس فيها بالطبع إغفال لتربية المواطن، ولكنها أشمل وأكمل، فالحقيقة أنه لا خوف أبدا على المواطن من الإنسان، ولكن الخوف كل الخوف على الإنسان من المواطن الذي انحصر فكره وانتماؤه وسلوكه داخل الحدود الجغرافية لوطنه.

إننا في أمس الحاجة إلى تنمية النظرة "الإنسانية العالمية الشاملة" في التعليم، وتطوير المفهوم "الإنساني" في التربية، وهذا المفهوم لا تستطيع "فلسفة" أو "أيديولوجية" مرتبطة بمكان وزمان معينين تنميته وتطويره.

إن منهج التربية في التصور الإسلامي دون مناهج الأرض كلها، هو الذي يستطيع تحقيق مفهوم "الإنسانية" في نفوس الناشئة، فتحقيق إنسانية الإنسان يتمشى مع إنسانية المنهج الإسلامي، وعالميته التي تقررت في القرآن في سورة هي من أوائل السور المكية، وهي سورة التكوير في قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} ، وتقررت في خطاب الله -سبحانه- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] .

لقد جنت الإنسانية ثمار التأكيد على "المواطنة الضيقة" في صورة صراعات دولية، وحروب عالمية وإقليمية، واستعمار واحتلال لأراضي الآخرين، واغتصاب لحقوقهم، وتسخير لجهودهم في خدمة غيرهم، وإذلال لآدميتهم وإنسانيتهم.. إلخ.

إننا نعيش في عصر جديد تماما، عصر سبقت قوة الإنسان يقظة ضميره، عصر لا يملك الإنسان فيه القدرة على إدارة الصراعات والحروب العالمية أو الإقليمية، دون أن يمتد خطرها ودمارها إلى ما حولها، نحن -إذن- في عصر نحتاج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015