وتكامل جوانب الشخصية الإنسانية في مفهوم منهج التربية يجب أن يتفق أيضا مع تصور الإسلام لوحدة الإنسان الفرد، ووحدة الإنسانية جمعاء، فالإنسان الفرد وحدة متكاملة، وقواه المختلفة موحدة الاتجاه، فهو ليس جسما مستقلا بذاته عن الروح والعقل، وليس عقلا منفصلا لا علاقة له بالجسم والروح، وليس روحا هائمة بلا رابط من عقل وجسم. بل هو كيان واحد متكامل الأجزاء.
ويتفق هذا أيضا مع فكرة الإسلام عن وحدة الإنسانية وتكاملها، "فلأن الوجود الموحد صادر من إرادة واحدة، ولأن الناس جزء من الكون متعاون متناسق مع سائر أجزائه، ولأن أفراد الإنسان خلايا متعاونة متناسقة فيما بينها، لذلك كان تصور الإسلام أن الإنسانية وحدة تفترق أجزاؤها لتجتمع، وتختلف لتتسق، وتذهب شتى المذاهب للتتعاون في النهاية بعضها مع بعض، كي تصبح صالحة للتعاون مع الوجود الموحد"1: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] .
إذن، فهناك حكمة من وراء هذا الاختلاف والتجزؤ وهو التعاون والتكامل، وإلا فلو شاء الله لجعل الناس جميعا أمة واحدة: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48] . {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 93] . وهكذا خلق الله الناس أمما وشعوبا مختلفة لا ليتصارعوا ويختلفوا، ولكن ليتعارفوا ويتكاملوا.
ولكن الله لم يأخذ الناس قسرا إلى هذه الغاية، ولكنه جعل لكل منهم طريقا ومنهجا، وخلق لكل منهم استعدادا، ولكل منهم مشربا، لقد خلق الله الناس باستعدادات متفاوتة، نسخا غير مكررة ولا معادة، ثم أنزل لهم نواميس الهدى والضلال، تمضي لها مشيئته في الناس، وتركهم يستبقون، وجعل هذا ابتلاء لهم يقوم عليه جزاؤهم يوم يرجعون إليه، وهم إليه راجعون2.
إذن، فالأصل في الوجود الوحدة والتعاون والتناسق في حدود منهج الله وشريعته، ومن شذ عن هذه السنة من المؤمنين فليرد إليها بكل وسيلة؛ لأن سنة الله في الكون أولى بالاتباع من أهواء الأفراد والجماعات: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ