الإدراك والفهم، ويتحول ذلك إلى سلوك عملي في واقع الأرض، إذن، فالتعلم لم يقع.

الخاصية الخامسة: التي تميز منهج التربية، هي خاصية الشمول والتكامل لكل من المتعلم والمنهج، فالمنهج هو الجانب التطبيقي للأصول التربوية، وبذلك فهو ليس غاية في ذاته، ولكنه وسيلة لتحقيق غاية، وهي تنمية شخصية الإنسان كله وإيصاله إلى درجة كماله التي هيأه الله لها، وهذا يقتضي أن يكون المنهج المعد لهذا الغرض شاملا متكاملا في حقائقه وفي خبراته وجميع أوجه مناشطه.

ولا يعني ما سبق أن الجوانب المعرفية والوجدانية والحركية في الخبرة الإنسانية منفصلة بعضها عن بعض، فحقيقة الأمر أن كل فعل حلال يقوم الإنسان به في الأرض لا يخلو من الجوانب الثلاثة السابقة: فيه جانب الجسم، وجانب العقل، وجانب الوجدان، فالتحدث باللغة مثلا -وهو نشاط حركي- يستخدم فيه الإنسان عقله، وينفعل به أيضا، والرياضة البدنية يبدؤها الإنسان باسم الله، وينفعل بها، ويستخدم في أدائه لها عقله وجسمه، وكذلك القراءة والكتابة، وإجراء التجارب.. إلى آخره، فكل عمل تتوافر فيه العناصر الثلاثة، لكن مع الاختلاف في النسبة.

وتكامل جوانب الخبرة الإنسانية في منهج التربية يتفق مع فكرة الإسلام عن الكون والحياة والإنسان، فالوجود كله صادر عن الإرادة المباشرة لله. {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] . وهذا الوجود الصادر عن الإرادة المطلقة، وحدة متكاملة، كل جزء فيه متناسق ومتكامل مع بقية الأجزاء.. {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2] . {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] ، {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج: 65] . {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] . {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 3، 4] .

وهكذا، فتكامل جوانب الخبرة الإنسانية في منهج التربية يجب أن يتماشى مع تصور الإسلام لوحدة الوجود، وتكامل أجزائه، لكونه صادرا عن الإرادة المباشرة للواحد المطلق وهو الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015